الفصل الثّاني
سبب الامتناع عن الزيارة
لذلِكَ عَزَمتُ ألاّ أزورَكُم مَرَّةً ثانيةً زيارةً تُخَلِّفُ لنا الحُزنَ. فإن أحزَنتُكُم بعِتابي الشَّديدِ، فمَن ذا الّذي يَجعَلُني أفرَحُ؟ إنّهُ بالتَّأكيدِ لا يُمكِنُ أن يَكونَ مَن أحزَنتُهُ! لذلِكَ حَمَلتُ رِسالتي إليكُم عِتابًا ونُصحًا كَي تَعمَلوا بنَصائِحي. وكُنتُ أرجو ألاّ تُسَبِّبوا لي الحُزنَ بعَدمِ طاعتِكُم لي عِندَ زيارتي إليكُم، بَينَما يَجِبُ عليكُم أن تَكونوا مَصدَرَ فَرَحي وكَما تَعلَمونَ فَرَحي مِن فَرَحِكُم دونَ شَكٍّ. والقَسوةُ الّتي ضَمَّنتُها في الرِّسالةِ كَسَرَت قَلبي وأحزَنَتني وأبكَتني. وما كانَ قَصدي أن أجرَحَكُم وأؤلِمَكُم ولكنّي أرَدتُ أن تَلمُسوا مَدى مَحبَّتي لكُم.
مسامحة من أخطأ
وأنا لا أبالِغُ إذا أعلَمتُكُم أنّ مَن تَسَبَّبَ في الحُزنِ لم يُسَبِّب لي الحُزنَ لوَحدي، بَل أحزَنَكُم جَميعًا،* تتحدَّث هذه الفقرة (الآيات 5‏-11) عن فرد من جماعتهم قام بمخالفة خطيرة وربّما يكون قد وقع في زنى المحارم كما ورد في رسالة كورنتوس الأولى (5: 1 )، ففرضت عليه الجماعة عقوبة لتأديبه. وبما أنّ هذا المذنِب قد أظهر ندما صادقا على ذنبه وتوبةً نصوحًا، فبولس يحثّ هذه الجماعة على إنهاء عقوبته وإعادة دمجه في صفوف المؤمنين. وقد تَجَنَّبَهُ أكثَرُكُم، وهذا العِقابُ كافٍ لهُ وعليكُم الآن أن تُسامِحوهُ وأن تُشَجِّعوهُ، بَعدَ أن تابَ عن إثمِهِ، لِكَي لا يَغمُرَهُ الحُزنُ العَميقُ. وألتَمِسُ مِنكُم أن تُعَبِّروا عن مَحبَّتِكُم لهُ مِن جَديدٍ، فإنّي طَلَبتُ مِنكُم في الرِّسالةِ أن تَطرُدوهُ لِكَي أختَبِرَ طاعتَكُم لكُلِّ أوامري. 10 فلئن سامَحتُموهُ، سامَحتُهُ أنا أيضًا مِن أجلِكُم، رَغمَ أنّ هذا الأخَ لم يَرتَكِب ذَنبًا في حَقّي، ولكنّي أُسامِحُهُ بأمرِ السَّيِّدِ المَسيحِ، 11 ولا بُدَّ مِن هذا حَتّى لا يَستَغِلَّنا الشَّيطانُ ويُوقِعَ بَينَنا، ونَحنُ على عِلمٍ بحِيَلِهِ.
رسالة السّيّد المسيح تفوح بنفحات النّجاة
12 ولمّا وَصَلتُ مَدينةَ تِرواسَ لأنشُرَ بِشارةَ سَيِّدِنا المَسيحِ، وَجدَتُ سَيِّدَنا عيسى قد فَتَحَ لي البابَ واسِعًا. 13 ولكنّي لم أكُن مُرتاحَ البالِ، لأنّي لم أجِدِ الأخَ تيتوسَ هُناكَ. فتَرَكتُ إخوتي في الإيمانِ ووَدَّعتُهُم وجِئتُ هُنا إلى مَقدونِيا كَي أراهُ.
14 ألا للهِ الحَمدُ، هو الّذي يُتيحُ لنا فُرَصَ الدَّعوةِ دائمًا، بَعدَ أن جَعَلَ قُلوبَنا أسيرةَ أمرِ مَولانا عيسى المَسيحِ، وها نَحنُ نَسيرُ في مَوكِبِ نَصرِهِ. يبدو أنّ بولس كان يستخدم صورة الموكب لتكريم القائد العسكري المنتصر ليصف انتصار السيد المسيح (انظر أيضا كتاب الزبور، مزمور 68: 18، والذي تمّ استخدامه في رسالة بولس إلى أحباب الله في أفاسوس، 4: 8). وهو الّذي يَجعَلُنا أيضًا نَنشُرُ مَعرِفةَ السَّيِّدِ المَسيح كالرّيحِ العَطِرةِ الزَّكيّةِ. 15 فمَثَلُنا عِندَ اللهِ كمَثَلِ بَخورٍ يُقَدِّمُهُ سَيِّدُنا عيسى للهِ، فيَفوحُ بَينَ أهلِ النَّجاةِ وأهلِ الهَلاكِ. 16 إنّ رِسالتَنا تَفوحُ مِنها رائحةُ المَوتِ والفَناءِ للّذينَ يَسلُكونَ طَريقَ الهَلاكِ. وهي تَملأُ القُلوبَ بالحَياةِ والخُلودِ بالنِّسبةِ إلى النّاجينَ. إنّ إشارة بولس إلى أتباع سيدنا عيسى بوصفهم رائحة المسيح الزكيَّة (عبق المسيح) قد تلمّح إلى البخور الذي يتمّ إحراقه في مواكب النّصر الرومانية. وربما كان يلمِّح من جهة أخرى بذكره للموت والحياة إلى قصّة يهودية تقليدية وردت في كتاب “وصيّة إبراهيم” وهو من الكتب اليهودية المنحولة. وهذه القصة تكشف أنّ الموت عندما يأتي إلى الأبرار، تفوح رائحة عطرة، لكن عندما يأتي الموت إلى الخطاة المذنبين تسود رائحة متعفّنة. يا لعَظَمةِ رسالةِ رَبِّنا، فمَن هو القادِرُ على نَشرِها؟ 17 إنّ الّذينَ يُتاجِرونَ برِسالةِ اللهِ ويَغُشّونَ النّاسَ كَثيرونَ، وما نَحنُ، بحَمدِ اللهِ، مِنهُم أبَدًا!§ انتشر في ذلك الزمن كثير من الفلاسفة والمعلمين الجوّالين والدعاة، وكان أكثرهم يتكسّب بما يأخذه من أجرة مقابل تعليمه للآخرين، وفي بعض الحالات يتسوّل لكسب المال. وكان الناس يعتبرونهم دجالين نصّابين، ولذلك كان الفلاسفة يرون أنه من الضروري الدفاع عن أنفسهم ضدّ هذا الاتّهام. أما بولس فقد كان يقوم بالوعظ برسالة السيد المسيح مجّانا، لذلك أظهر إخلاصه، خلافا للدجّالين الذين كانوا يعارضونه. فنَحنُ نَعلَمُ أنّ اللهَ لكَلامِنا سَميعٌ عَليمٌ، ولذلِكَ دَعونا النّاسَ بإخلاصٍ لرِسالةِ اللهِ، دُعاةً مِن اللهِ ورُسُلاً مِن السَّيِّدِ المَسيحِ.

*الفصل الثّاني:5 تتحدَّث هذه الفقرة (الآيات 5‏-11) عن فرد من جماعتهم قام بمخالفة خطيرة وربّما يكون قد وقع في زنى المحارم كما ورد في رسالة كورنتوس الأولى (5: 1 )، ففرضت عليه الجماعة عقوبة لتأديبه. وبما أنّ هذا المذنِب قد أظهر ندما صادقا على ذنبه وتوبةً نصوحًا، فبولس يحثّ هذه الجماعة على إنهاء عقوبته وإعادة دمجه في صفوف المؤمنين.

الفصل الثّاني:14 يبدو أنّ بولس كان يستخدم صورة الموكب لتكريم القائد العسكري المنتصر ليصف انتصار السيد المسيح (انظر أيضا كتاب الزبور، مزمور 68: 18، والذي تمّ استخدامه في رسالة بولس إلى أحباب الله في أفاسوس، 4: 8).

الفصل الثّاني:16 إنّ إشارة بولس إلى أتباع سيدنا عيسى بوصفهم رائحة المسيح الزكيَّة (عبق المسيح) قد تلمّح إلى البخور الذي يتمّ إحراقه في مواكب النّصر الرومانية. وربما كان يلمِّح من جهة أخرى بذكره للموت والحياة إلى قصّة يهودية تقليدية وردت في كتاب “وصيّة إبراهيم” وهو من الكتب اليهودية المنحولة. وهذه القصة تكشف أنّ الموت عندما يأتي إلى الأبرار، تفوح رائحة عطرة، لكن عندما يأتي الموت إلى الخطاة المذنبين تسود رائحة متعفّنة.

§الفصل الثّاني:17 انتشر في ذلك الزمن كثير من الفلاسفة والمعلمين الجوّالين والدعاة، وكان أكثرهم يتكسّب بما يأخذه من أجرة مقابل تعليمه للآخرين، وفي بعض الحالات يتسوّل لكسب المال. وكان الناس يعتبرونهم دجالين نصّابين، ولذلك كان الفلاسفة يرون أنه من الضروري الدفاع عن أنفسهم ضدّ هذا الاتّهام. أما بولس فقد كان يقوم بالوعظ برسالة السيد المسيح مجّانا، لذلك أظهر إخلاصه، خلافا للدجّالين الذين كانوا يعارضونه.