الفصل الثّالث
الله مصدر قوّة الدّعاة
تُرى هل تَتَّهمونَنا مَرّةً أُخرى أنّنا نَفتَخِرُ بأخلاقِنا وأنفُسِنا؟ أم نَحنُ كغَيرِنا مِن النّاسِ، نَحتاجُ مِنكُم أو مِن غَيرِكُم إلى خِطابِ تَوصِيَةٍ؟* في القديم عندما كان اليهود يسافرون إلى أماكن بعيدة، كانوا يحملون في أغلب الأحيان رسائل توصية تخبر أصحاب المنازل من اليهود بأنهم جديرون بالثقة. واستمرّ أتباع المسيح على هذه العادة، وبما أنّ بولس كان حواريا وهو أوّل من كوّن جماعة المؤمنين في كورنتوس، فإنه لم يكن بحاجة إلى رسالة تزكية (توصية به). أما الدجّالون الذين جاؤوا إلى كورِنتوس مدّعين أنهم حواريون، فكانوا يستخدمون مثل تلك الرسائل لأجل أن يستمع المؤمنون إلى دعوتهم. كما طلب هؤلاء الدجّالون من الكورنتيين إعطاءهم رسائل توصية كي ينشروا أباطيلهم في أماكن أخرى. وكان الغرض من تلك الرسائل الحصول على كرم الضيافة، ليُصبح أولئك المعلّمين قارين ينتفعون بمقابل مادي. كَلاَّ، بل أنتُم خِطابُ التَّوصيةِ المَنقوشِ في قُلوبِنا! وبإمكانِ النّاسِ جَميعًا رؤيتُهُ وقِراءتُه بكُلِّ سُهولةٍ. نعم، تَبَيَّنَ أنّكُم أنتُم رسالةُ السَّيِّدِ المَسيحِ لأنّكُم استَجَبتُم لدَعوتِنا، وهذِهِ الرِّسالةُ لم تُكتَب بحِبرٍ، بل هي مِن رُوحِ اللهِ الحَيِّ القَيّومِ، ولم تُنقَش على ألواحٍ مِن حَجَرٍ، بل نُقِشَتْ على قُلوبِكُم. أعطى اللّه النبي موسى على جبل سيناء الوصايا العشر أو البنود العشرة الأهمّ لميثاقه وعهده مع بني يعقوب التي كُتبت على ألواح حجرية (التوراة، سفر الخروج، 31: 18؛ وسفر التثنية، 5: 22). وبعد ذلك بمئات السنين، وعد الله النبي أشعيا بشريعة جديدة للناس (انظر كتاب النبي أشعيا، 2: 3) وأعلن النبي إرميا أنّ هذه الوصايا ستُكتب على القلب (سفر إرميا، 31: 31‏-34)، وقد تنبّأ النبي حزقيال (ذو الكفل) بأنّ الله سيزيل القلب المتحجّر لهذا الشعب، وأن الله كما تنبّأ إرميا سيكتب كلمته على قلوب ليّنة. (سفر النبي حزقيال، 11: 19‏-20 ؛ و 36: 26‏-27).
أجل، أنتُم ثِمارُ دَعوتِنا، وإيمانُكم بالسَّيِّدِ المَسيحِ يؤكِّدُ أنّنا على صَوابٍ. واعلَموا، يا أحبابي، أنّنا لا نَملِكُ كَفاءةَ العَمَلِ مِن تِلقاءِ أنفُسِنا، وإنّما قُدرتُنا ونَجاحُنا مِن عِندِ اللهِ. فهو الّذي أهَّلَنا حَتّى نَدعوَ النّاسَ إلى ميثاقِهِ الجَديدِ، القائمِ على رُوحِ اللهِ، لا على أساسِ حُروفِ الشَّرعِ القَديمِ، فالشَّرعُ يَحكُمُ بالهَلاكِ على مَن يُخالِفُ أوامرَهُ، أمّا رُوحُ اللهِ فتَبعَثُ فينا الحَياةَ.
أما عَلِمتُم أنّ اللهَ قد أعطى بَني يَعقوبَ نِظامًا مَنقوشًا على ألواحٍ مِن الحَجَرِ وأمَرَهُم أنَّ مَن يَخرُجُ عن هذِهِ الحُدودِ يَكونُ مِن الهالِكينَ. ولقد صَحِبَ نُزولَ هذا النِّظامِ بَهاءٌ عَظيمٌ، حتّى إنّهُم عَجَزوا عن النَّظَرِ إلى وَجهِ النَّبيِّ موسى لِمَا كانَ عليهِ مِن نورٍ وبَهاءٍ، ولكنّهُ سُرعانَ ما زالَ. عندما هبط النبي موسى (عليه السّلام) من جبل سيناء، كان وجهه شديد التوهّج نتيجة لقائه مع ربه. لكن عندما بدأ الوهج يتلاشى، وضع النبي موسى حجابا على وجهه كي لا يلاحظ شعب بني يعقوب أن الوهج بدأ يخفّ فيواصل بذلك تعظيم النبي موسى وتبجيله كممثِّلٍ لِله. فماذا عن نِظامِ رُوحِ اللهِ؟ ألا يَكونُ مَصحوبًا بنورٍ أسنى وإشراقٍ أبهى؟ فإذا كانَت رسالةُ العِقابِ مُحاطةً بنورِ الله، أفلا تَكونُ رسالتُهُ الّتي تَجعَلُ النّاسَ مَرضيِّينَ مُحاطةً ببَهاءٍ أجَلَّ وأعظَمَ!؟ 10 إنّ للنِّظامِ القَديمِ نورًا قد مَضى ووَلَّى، واليَومَ يَغمُرُهُ نورٌ مِن اللهِ تَنَزَّلَ في نِظامٍ أبهى. 11 لقد كانَ لنِظامِ بَني يَعقوبَ نورٌ أفِلَ سَناؤُهُ، وإنّ لميثاقِنا الأبَديِّ نورًا أعظَمَ وبَهاءً أبقى.
12 إنّ يَقينَنا بكُلِّ هذا عَظيمٌ، لذلِكَ نَدعو إلى اللهِ بكُلِّ جُرأةٍ وصَراحةٍ. 13 ونَحنُ لَسنا كالنَّبيِّ موسى الّذي كانَ يَحجُبُ وَجهَهُ عن قَومِهِ حتّى لا يَرَوا زَوالَ بَهائِهِ وظُلمةَ نورِهِ. 14 ولقد عَمِيَتْ بَصائرُهُم، فلا يَنظُرونَ، هذِهِ غَشاوةُ موسى ما زالَت على أعينهِم تُغَشّي أبصارَهُم حينَ يُرَدِّدونَ تِلاوةَ الميثاقِ القَديمِ، فلا يَفهَمونَ، ولن تُرفَعَ عنهُم إلا حِينَ يُبصِرونَ حَقيقةَ المَسيحِ الكَريمِ. 15 أجل، إنّهُم حينَ يَقَرؤونَ تَوراةَ النَّبيِّ موسى لا يَفقَهونَها إلى يَومِنا هذا، بسَبَبِ هذِهِ الغَشاوةِ الّتي تُعمي قُلوبَهُم، 16 ولكن عِندَما يَتوبُ أحَدُهُم ويَهتَدي إلى مَولانا، تُرفَعُ عنهُ الغَشاوةُ. 17 إنّ مَولانا هو صاحِبُ الرُّوحِ، فإذا حَلَّتْ رُوحُهُ فينا، أصبَحنا أحرارًا 18 فعِندَما تُرفَعُ عنّا هذِهِ الغَشاوةُ، نَرى بَهاءَ اللهِ يُشرِقُ مِن خِلال سَيِّدنِا المَسيحِ. إنّهُ نورُ اللهِ ونَحنُ كالمِرآةِ نَعكِسُ ذلِكَ البَهاءَ. لقد وَهَبَ لنا سَيِّدُنا عيسى رُوحَ اللهِ فيَزيدُ فينا بَهاؤهُ (سلامُهُ علينا) أكثَرَ فأكثَرَ.

*الفصل الثّالث:1 في القديم عندما كان اليهود يسافرون إلى أماكن بعيدة، كانوا يحملون في أغلب الأحيان رسائل توصية تخبر أصحاب المنازل من اليهود بأنهم جديرون بالثقة. واستمرّ أتباع المسيح على هذه العادة، وبما أنّ بولس كان حواريا وهو أوّل من كوّن جماعة المؤمنين في كورنتوس، فإنه لم يكن بحاجة إلى رسالة تزكية (توصية به). أما الدجّالون الذين جاؤوا إلى كورِنتوس مدّعين أنهم حواريون، فكانوا يستخدمون مثل تلك الرسائل لأجل أن يستمع المؤمنون إلى دعوتهم. كما طلب هؤلاء الدجّالون من الكورنتيين إعطاءهم رسائل توصية كي ينشروا أباطيلهم في أماكن أخرى. وكان الغرض من تلك الرسائل الحصول على كرم الضيافة، ليُصبح أولئك المعلّمين قارين ينتفعون بمقابل مادي.

الفصل الثّالث:3 أعطى اللّه النبي موسى على جبل سيناء الوصايا العشر أو البنود العشرة الأهمّ لميثاقه وعهده مع بني يعقوب التي كُتبت على ألواح حجرية (التوراة، سفر الخروج، 31: 18؛ وسفر التثنية، 5: 22). وبعد ذلك بمئات السنين، وعد الله النبي أشعيا بشريعة جديدة للناس (انظر كتاب النبي أشعيا، 2: 3) وأعلن النبي إرميا أنّ هذه الوصايا ستُكتب على القلب (سفر إرميا، 31: 31‏-34)، وقد تنبّأ النبي حزقيال (ذو الكفل) بأنّ الله سيزيل القلب المتحجّر لهذا الشعب، وأن الله كما تنبّأ إرميا سيكتب كلمته على قلوب ليّنة. (سفر النبي حزقيال، 11: 19‏-20 ؛ و 36: 26‏-27).

الفصل الثّالث:7 عندما هبط النبي موسى (عليه السّلام) من جبل سيناء، كان وجهه شديد التوهّج نتيجة لقائه مع ربه. لكن عندما بدأ الوهج يتلاشى، وضع النبي موسى حجابا على وجهه كي لا يلاحظ شعب بني يعقوب أن الوهج بدأ يخفّ فيواصل بذلك تعظيم النبي موسى وتبجيله كممثِّلٍ لِله.