مدخل إلى رسالة صخر الثّانية
تَختلف هذه الرّسالةُ تماما عن رسالة الحواري بطرس (صخر) الأولى في مضمونها وأسلوبها. فلئن بدت أقربَ إلى صيغة الرّسالة فإنّها في الحقيقة أشبهُ بخطاب الوداع أو بآخر الوصايا التي يُرسلها الحواري إلى المؤمنين. ويتحدّث صخر هنا عن موته الوشيك، ويقدّم نصائح للمؤمنين محذّرا إيّاهم خاصّة من المضلِّلين ومن مدّعي النبوّة. وربّما كان يتوجّه بخطابه إلى المؤمنين في منطقة ما يُعرف بغرب تركيا اليوم لأنّه أشار إلى رسالته الأولى التي أرسلها إلى الجماعة نفسها.
وقد أثارت هذه الرّسالةُ مناقشات في الكنيسة القديمة، كما قام في عصرنا جدلٌ بين الباحثين في هذه الرّسالة، فأسلوبها في اللّغة اليونانية يختلف كثيرا عن الأسلوب الذي كُتبت به رسالة صخر الأولى. وقد شكّك عدد كبير من الباحثين في أن يكون بطرس الصخر هو الكاتب الحقيقي لهذه الرّسالة. لكن أوريجانوس ذكَرَ في وقت مبكّر من القرن الثالث للميلاد أنّ الحواري صخرا هو كاتب الرّسالتين، واتّفقَ معه أكثر العلماء في زمنه. وربّما يعود الاختلاف في أسلوب الرّسالتين إلى أنّ الحواري صخرا قد استعمل ناسخين مختلفين، لذلك تباينت الرّسالتان بسبب الحرّية التي منحها إيّاهما. ويبدو أنّ محتوى رسالة صخر الثانية قد أُخِذَ وعُدِّلَ تبَعاً لرسالة يهوذا ونصوص أخرى تعالج فكرة قيام السّاعة. وفي كلّ الحالات، فإنّ هذه الرّسالة تتضمّن حقَّ الهداية من الله وتشجّع المؤمنين على الثّبات في إيمانهم. وتبعا لهذا السبب، وبعد مناقشات المؤمنين الأوائل، تمّ قبول هذه الرّسالة عالميّا واعتُبرت وحيا حقيقيّا.
بسم الله تبارك وتعالى
رسالة الحَواريّ صخر الثّانية إلى أحباب الله
الفصل الأوّل
تحيّة
مِن بُطرُسَ الصَّخرِ، خادمِ مَولاي عيسـى المَسيحِ وحَواريّهِ، إلى إخوتِنا المُؤمنينَ. لقد وَفَى اللهُ بِعَهدِهِ فاهتَدَيتُم مِثلَما اهتَدَينا إلى الإيمانِ الكَريمِ، بفَضلِ إلهِنا تَعالى ومُنَجّينا عيسـى المَسيحِ. ليُعطِكمُ اللهُ مَزيدًا مِن الفَضلِ والسَّلامِ، بِنورِ مَعرِفتِهِ تَعالى ومَعرِفةِ سَيِّدِنا عيسى (سلامُهُ علينا).
دعوة الله واختياره
لقد وَهَبَ لنا اللهُ العَليُّ القَديرُ كُلَّ ما نَحتاجُ إليهِ لنَعيشَ حَياةَ الفَلاَحِ والتَّقوى، وقد دَعانا بِجَلالِهِ وفَضلِهِ لنَكونَ مِن العارِفينَ بِهِ تَعالى. وهكذا وَفى لنا بأثمَنِ الوُعودِ وأعظَمِها، إذ بإيمانِكُم تأخُذونَ قَبَسًا مِن صِفاتِ اللهِ، وتَتَخَلّصونَ مِن فَسادِ الدُّنيا وأهوائِها بفَضلِ سَيِّدِنا عيسى (سلامُهُ علينا).
فابذُلوا كُلَّ جُهودِكُم، لِتُضيفوا لإيمانِكُم الفَضيلةَ والمَعرِفةَ وتَتَحَلَّوْا بالعَفافِ والصَّبرِ والتَّقوى والأُخُوّةِ والمَحَبّةِ. فإذا حَرِصتُم على هذِهِ الفَضائلِ، وسَعيتُم إلى مَزيدٍ مِنها، فستَعرِفونَ حَقًّا سَيِّدَنا عيسى المَسيحَ، وتَكونونَ مِن المُجتَهِدينَ الّذينَ تَجني أيديهم كَثيرًا مِن الصّالِحات.* ذكر هؤلاء المعلّمون الدجّالون أنّ الذين وصلوا من خلالهم إلى المعرفة الخفيّة السريّة غير مُلزَمين بالقيود الأخلاقيّة. ويوضّح بطرس أنّه على أتباع المسيح (سلامه علينا) أن يعيشوا حياة الطّهر والسموّ الأخلاقي. أمّا الّذينَ يَتَقاعَسونَ عن هذِهِ الفَضائلِ، فهُمْ لا يُبصِرونَ بل يَعمَهونَ في جَهلِهِم ويَغفَلونَ عن التَّطَهُّرِ مِمّا تَقَدَّمَ مِن ذُنوبِهِم.
10 فاجتَهِدوا يا إخوتي، حَتّى يَظهَرَ مِن صالِحِ ما تَعمَلونَ، أنّكُم حقًّا استَجَبتُم لدَعوةِ اللهِ وأنّكُم مِن الّذينَ اختارَهُم. فإن اجتَهَدتُم في سَبيلِ الخَيرِ، فلن تَكونوا أبَدًا مِن الضّالينَ، 11 بل يُفتحُ لكُم البابُ واسِعًا لِلدُّخولِ إلى المَملَكةِ المَوعودةِ الخالِدةِ، مَملَكةِ سَيِّدِنا ومُنَجّينا عيسى المَسيحِ.
تصديق نبوءات الأوّلين
12 لذلِكَ سأُذكِّرُكُم بهذِهِ الأُمورِ دائمًا، رَغمَ أنّكُم تَعلَمونَها، على الحَقِّ الّذي تَعَلَّمتُموهُ تَثبُتونَ. 13 إنّي أرى أنّ مِن واجِبي أن أُذكِّرَكُم بها ما دُمتُ على قَيدِ الحَياةِ. 14 فأنا على يَقينٍ أنّي سأرحَلُ عن هذِهِ الحَياةِ قَريبًا، كَما أعلَمَني بذلِكَ سَيِّدُنا عيسـى المَسيحُ. يرى بعض المفسّرين أنّ هذه العبارة ترتبط بما قاله سيّدنا عيسى عندما أخبر بطرس بأمور تتعلّق بموته حين يصبح شيخا (انظر يوحنّا 21: 18 – 19). 15 وسأعمَلُ جاهِدًا أن تَتَذَكَّروا هذِهِ الأُمور بَعدَ رَحيلي في كُلِّ حينٍ.
16 ولقد أخبَرناكُم عن سُلطانِ سَيِّدِنا عيسى المَسيحِ، وكَيفَ سيَتَجَلّى مَلِكًا على العالَمينَ، وفي هذا لم نَتَّبِع الخُرافاتِ الكاذِبةَ المُلَفَّقة، يُعلن الحواري بطرس أنّ رسالة الحواريّين تستند إلى تجربتهم مع السيّد المسيح (سلامه علينا) باعتبارهم شهود عيان على تعاليمه ومعجزاته التي أنجزها. وفي المقابل، أخبر المعلّمون المضلّلون عن قصص أسطوريّة خياليّة. بل أَبصَرنا بعُيونِنا وقُلوبِنا مَقامَهُ الجَليلَ 17 حينَ أَعَزَّهُ اللهُ الأبُ الرَّحيمُ وأَكرَمَهُ، إذ خاطَبَهُ بصَوتِهِ جَلَّ جَلالُهُ: “أنتَ الحَبيبُ، الابنُ الرُّوحيُّ لي، وقد رَضيتُ عَنكَ كُلَّ الرِّضى”.§ عبارة “الابن الروحي لله” الواردة هنا هي ترجمة للعبارة اليونانيّة التي عُرّبت غالبا بصيغة “ابن الله”. وإنّها موجودة في كتب الأنبياء الأوّلين وكانت لقَبا لملك بني يعقوب الذي اختاره الله. وهذا لا يشير إلى تناسل بشريّ، ولكنّه يشير إلى العلاقة الوثيقة التي تجمع بين سيّدنا عيسى والله. وإنّ مقامه (سلامه علينا) أمام ربّه مثل مقام البكر في العائلة. ويرى البعض في هذا تلميحا إلى كونه كلمة الله الأزليّة التي أُرسلت إلى الأرض لتصبح بشرا يولد من مريم العذراء. 18 وكُنّا نَحنُ أنفُسُنا مَعَهُ على الجَبَلِ المُقَدَّسِ، وسَمِعَنا صَوتَ اللهِ يأتينا مِن السَّماءِ.* إنّ الجبل المقدس المذكور هنا، هو الجبل الذي تجلّى فيه سيّدنا عيسى في مشهد عظيم لحواريّيه، وهناك أتاهم صوتُ الله من السّماء (انظر لوقا 9: 28 – 36). قارن ما ذُكر هنا مع ما جاء في المزمور الثاني وفيه كلامُ الله تعالى بخصوص تتويج مَلِكه المختار على جبل تصيون المقدّس.
19 وعِندَما رأينا هذا التَّجَلّي لِسَيِّدِنا عيسى، ازدادَ يَقينُنا بِما وَرَدَ في كُتُبِ الأنبياءِ، فانتَبِهوا إلى كُتُبِ الوَحي، فَكَما يُضيءُ المِصباحُ في الظُّلُماتِ إلى مَطلَعِ الفَجرِ، كذلِكَ تُنيرُ الكُتُبُ السَّماويةُ دَربَ المؤمنينَ حَتّى يُشرِقَ في قُلوبِهِم نَجمُ الصَّباحِ ألا وهو المَسيحُ المُنتَصِرُ العَظيمُ. 20 واعلَموا قَبلَ كُلِّ شَيءٍ أنّهُ لا نُبُوَّةَ في كُتُبِ الوَحي مِن إنشاءِ مَلَكاتِ الأَنبياءِ المُرسَلينَ، 21 فإرادةُ الإنسانِ لا دَخْلَ لها أبَدًا في كَشفِ النُّبُوّاتِ، بل إنّ الأنبياءَ هُم الّذينَ أتَوْا بِالوَحي وهُم في ذلِكَ يَقتَدونَ بِرُوحِ اللهِ.

*الفصل الأوّل:8 ذكر هؤلاء المعلّمون الدجّالون أنّ الذين وصلوا من خلالهم إلى المعرفة الخفيّة السريّة غير مُلزَمين بالقيود الأخلاقيّة. ويوضّح بطرس أنّه على أتباع المسيح (سلامه علينا) أن يعيشوا حياة الطّهر والسموّ الأخلاقي.

الفصل الأوّل:14 يرى بعض المفسّرين أنّ هذه العبارة ترتبط بما قاله سيّدنا عيسى عندما أخبر بطرس بأمور تتعلّق بموته حين يصبح شيخا (انظر يوحنّا 21: 18 – 19).

الفصل الأوّل:16 يُعلن الحواري بطرس أنّ رسالة الحواريّين تستند إلى تجربتهم مع السيّد المسيح (سلامه علينا) باعتبارهم شهود عيان على تعاليمه ومعجزاته التي أنجزها. وفي المقابل، أخبر المعلّمون المضلّلون عن قصص أسطوريّة خياليّة.

§الفصل الأوّل:17 عبارة “الابن الروحي لله” الواردة هنا هي ترجمة للعبارة اليونانيّة التي عُرّبت غالبا بصيغة “ابن الله”. وإنّها موجودة في كتب الأنبياء الأوّلين وكانت لقَبا لملك بني يعقوب الذي اختاره الله. وهذا لا يشير إلى تناسل بشريّ، ولكنّه يشير إلى العلاقة الوثيقة التي تجمع بين سيّدنا عيسى والله. وإنّ مقامه (سلامه علينا) أمام ربّه مثل مقام البكر في العائلة. ويرى البعض في هذا تلميحا إلى كونه كلمة الله الأزليّة التي أُرسلت إلى الأرض لتصبح بشرا يولد من مريم العذراء.

*الفصل الأوّل:18 إنّ الجبل المقدس المذكور هنا، هو الجبل الذي تجلّى فيه سيّدنا عيسى في مشهد عظيم لحواريّيه، وهناك أتاهم صوتُ الله من السّماء (انظر لوقا 9: 28 – 36). قارن ما ذُكر هنا مع ما جاء في المزمور الثاني وفيه كلامُ الله تعالى بخصوص تتويج مَلِكه المختار على جبل تصيون المقدّس.