الفصل الثّاني
التّحذير من الضّلال
بما أنّ سَيِّدَنا عيسى أَعظَمُ مِن المَلائكةِ وغَيرِهِم مِن الرُّسُلِ، فَعَلينا أَن نَتَمَسَّكَ بِما سَمِعنا مِن رِسالتِهِ حَتّى لا نَضِلَّ. فإنّنا نَعلَمُ أَنَّ اللهَ جَعَلَ مَلائكتَهُ رُسُلاً بَعَثَهُم برِسالتِهِ إلى النَّبيِّ موسى. فأقامَ تَعالى تِلكَ الرِّسالةَ شَرعًا لبَني إسرائيلَ، وأذاقَ العِقابَ العادِلَ كُلَّ مَن تَعَدّاها وخالَفَها. فكَيفَ لنا أن نَنجُوَ مِن عِقابِ اللهِ، إذا استَخفَفنا بالرِسالةِ العَظيمةِ الّتي تُنَجّي العالَمينَ، والّتي لم تَنزِل بها المَلائكةُ بَل أنزَلَها سَيِّدُنا (سلامُهُ علينا) مُباشَرةً، وأعلَنَها بِنَفسِهِ أَوّلاً، ثُمّ أكَّدَها لنا الحَواريّونَ الّذينَ سَمِعوها مِنهُ. ولقد أقامَ اللهُ على صِحَّةِ الرِّسالةِ حُجَجَ الإثباتِ، بالآياتِ الّتي أجراها على أيديهِم، والعَجائبِ المُختَلِفةِ والمُعجِزاتِ، وبِما وَزَّعَهُ بِرُوحِهِ كَيفَما شاءَ مِن الكَراماتِ.
تواضع السّيّد المسيح وآلامه
وما جَعَلَ اللهُ الأَيّامَ المُبارَكةَ المُنتَظَرةَ الّتي نَتَكَلَّمُ عَنها تَحتَ سُلطانِ المَلائكةِ، بل سيَكونُ لِلنّاسِ عليها السُّلطانُ المُبينُ. فَقَد جاءَ في ثَنايا الكِتابِ: “يا رَبُّ، ما أهوَنَ البَشَرَ أمامَكَ! لِماذا تَنظُرُ إليهِم وتُعيرُهُمُ اهتِمامَكَ؟ لقد جَعَلتَهُم دونَ المَلائكةِ إلى حينٍ، ثُمّ كَلَّلتَهُم بالهَيبةِ وأَحلَلتَهُم مَقامًا كَريمًا، وسَخَّرتَ لهُم كُلَّ شَيءٍ”.* كتاب الزبور، مزمور 8: 4‏-6. وما لِهذا مِن مَعنى، إلاّ أَنَّ اللهَ لم يَترُك شَيئًا إلاّ أَخضَعَهُ لسُلطانِ الإنسانِ. غَيرَ أنّنا الآنَ لا نَرى أنَّ كُلَّ الأشياءِ تَحتَ سُلطانِهِ. خلق الله الإنسان وسخّر له بقيّةَ المخلوقات، وأمَرَه أن يخضع له تعالى وحده، ولكنّ البشر بعصيانهم فقدوا هذا المقام الرفيع. وإنَّما نَرى سَيِّدَنا عيسـى المَسيحَ الّذي جَعَلَهُ اللهُ إلى حينٍ أدنى مِنَ المَلائكةِ، حَتّى يُقاسيَ آلامَ المَوتِ ليَكونَ فِداءً لِكُلِّ البَشَرِ، رَحمَةً مِن اللهِ تَعالَى. ثُمّ كَلَّلَهُ اللهُ بالهَيبةِ وأَحَلَّهُ مَقامًا كَريمًا إذ ضَحَّى بحَياتِهِ. 10 إنَّ اللهَ مالِكُ المُلكِ وهو قادِرٌ على خَلقِ كُلِّ شَيءٍ. وحينَ أرادَ أن يَهدي أَفواجًا مِن النّاسِ إلى ذلِكَ المَقامِ الرَّفيعِ الّذي يَنتَظَرَهُ أهلُ بَيتِهِ، كانَ مِنَ الأَجدَرِ أن يُقاسي سَيِّدُنا عيسى آلامَ المَوتِ مِن أجلِهِم، فيَفتحَ لهُم سَبيلَ الفَوزِ العَظيمِ. وبهذِهِ الآلامِ جَعَلَهُ اللهُ خَيرَ قائدٍ وخَيرَ نَصيرٍ. 11 فإنَّ سَيِّدَنا المَسيحَ مِن أهلِ بَيتِ اللهِ، شأنُ الّذينَ نَذَرَهُم (سلامُهُ علينا) عِبادًا صالِحينَ لله. ولهذا فإنّهُ (سلامُهُ علينا) لَيَدعو المؤمنينَ بِهِ إخوَةً وإنّهُ مُفتَخِرٌ بِذلِكَ. 12 إذ قالَ (سلامُهُ علينا) ما جاءَ في كِتابِ الزَّبور: “يا اللهُ، سأرفَعُ ذِكرَكَ أمامَ إخواني، وأُرَتِّلُ الأَناشيدَ وَسَطَ جماعةِ الإيمانِ حَمدًا لكَ وتَسبيحًا”. كتاب الزبور، مزمور 22‏:22. 13 وقالَ أَيضًا ما جاءَ في كِتابِ النَّبيِّ أَشعيا: “تَوَكَّلتُ على اللهِ...أنا ومَن وَهَبَهُمُ اللهُ لي مِن عِيالِهِ”.§ كتاب النبي أشعيا 8: 17‏-18.
14 ولأنَّ عِيالَ اللهِ بَشَرٌ فانُونَ مِن لَحمٍ ودَمٍ، صارَ سَيِّدُنا عيسى بَشَرًا مِثلَهُم حَتّى يَموتَ فيَكسِرَ بذلِكَ شَوكةَ إبليسَ الّذي استَولى على القُدرةِ ليَقودَ النّاسَ إلى الهَلاكِ، 15 وهكذا حَرَّرَهُم (سلامُهُ علينا) عِندَما ضَحّى بحَياتِهِ، فقد كانوا طَوالَ حَياتِهِم في العُبوديّةِ يَهابونَ المَوتَ.* يتمتّع سيدنا عيسى (سلامه علينا) بمكانة عالية مرموقة تفوق مكانة الملائكة، فانضمّ (سلامه علينا) إلى الإنسانيّة حتّى يمثِّلهم عند الله باعتباره آدم الثاني. وترتفع مكانة الإنسان يوم القيامة فوق مكانة الملائكة شأن المكانة التي يحظى بها السيد المسيح الآن. 16 وواضِحٌ أنّ سَيِّدَنا عيسى لم يَكُن نَصيرًا لِلمَلائكةِ بَل كانَ نَصيرًا لآلِ النَّبيِّ إبراهيمَ. 17 لذلِكَ كانَ لا بُدَّ للسَّيِّدِ المَسيحِ أن يُصبِحَ بَشَرًا شَبيهًا بِكُلِّ إخوتِهِ مِن جَميعِ النَّواحي، حَتّى يَكونَ لنا حَبرًا شَفيعًا رَحيمًا أمينًا أمامَ اللهِ، فضَحَّى بنَفسِهِ مِن أَجلِ النّاسِ ليَمحوَ ذُنوبَهُم. 18 وإذ قاسى الآلامَ والابتِلاءات، فهو قادِرٌ على إعانةِ كُلِّ مَن يَتَعَرَّضُ للابتِلاءاتِ مِثلَهُ.

*الفصل الثّاني:8 كتاب الزبور، مزمور 8: 4‏-6.

الفصل الثّاني:8 خلق الله الإنسان وسخّر له بقيّةَ المخلوقات، وأمَرَه أن يخضع له تعالى وحده، ولكنّ البشر بعصيانهم فقدوا هذا المقام الرفيع.

الفصل الثّاني:12 كتاب الزبور، مزمور 22‏:22.

§الفصل الثّاني:13 كتاب النبي أشعيا 8: 17‏-18.

*الفصل الثّاني:15 يتمتّع سيدنا عيسى (سلامه علينا) بمكانة عالية مرموقة تفوق مكانة الملائكة، فانضمّ (سلامه علينا) إلى الإنسانيّة حتّى يمثِّلهم عند الله باعتباره آدم الثاني. وترتفع مكانة الإنسان يوم القيامة فوق مكانة الملائكة شأن المكانة التي يحظى بها السيد المسيح الآن.