الفصل الثّالث
دعوة يحيى (عليه السّلام) النّاس إلى التّوبة
وعِندَما كانَت السَّنةُ الخامِسةَ عَشَرةَ مِن فَترةِ حُكمِ القَيصرِ طيباريوسَ* كان الإمبراطور طيباريوس حاكمًا على الامبراطورية الرومانية من سنة 14 إلى سنة 37 ميلادية، ولكنّه بدأ يشارك سَلَفَه أغسطس في الحكم في العام 11 أو 13 م. وفي السنة الخامسة عشرة من بداية حكمه (أي سنة 28 أو سنة 29 ميلادية) ظهرت دعوة النبي يحيى. ووِلايةِ بيلاطُسَ البُنْطيِّ الرُّومانيِّ على مِنطقةِ يَهوذا، وحُكمِ أَنْتيباسَ بِن هيرودُسَ على قِسمٍ مِن مَملكةِ أبيهِ في مِنطقةِ الجَليلِ، وفي فَترةِ حُكْمِ أخيهِ فيليبَ على قِسمٍ مِن المَملكةِ في حَورانَ والبِقاعِ الغَربيّ، وحُكمِ ليسانيوسَ على مِنطقةِ إبيلينة قُرب مَدينةِ دِمَشق، في ذلِكَ الوَقتِ الّذي كانَ فيهِ حَنّا وقَيافا رَئيسَيْنِ على رِجالِ الدِّينِ الأحبار، كان القيصر طيباريوس قد عيّن بيلاطس حاكمًا على مقاطعة يهوذا في الفترة الواقعة ما بين 26 – 36 للميلاد. والهيرودس الذي حكم الجليل آنذاك هو انتيباس بن هيرودس الذي كان حاكمًا على الجليل وبيرية من 4 ق.م. إلى 39 م. وقام الرومان بتعيين فيليب الثاني أخي أنتيباس حاكمًا على منطقة حوران والبقاع الغربي. والمعلومات حول ليسانيوس قليلة. وقد كان حنّا رئيسًا على أحبار اليهود من 6 إلى 15 للميلاد. وكان صهره قيافا كذلك رئيسًا على الأحبار من سنة 18 إلى 37 للميلاد. أوحى اللهُ تَعالى إلى يَحيى بِن زَكَريّا الّذي كانَ مُقيمًا في البَراري، أن يَمضيَ إلى مِنطقةِ نَهرِ الأُردُنّ داعيًا النّاسَ إلى الاغتِسالِ بمياهِهِ للتَّطَهُّرِ، دَليلاً على تَوبَتِهِم وطَلَبِ الغُفرانِ مِن اللهِ. 4‏-6 وكانَ هذا تَصديقًا لِمَا جاءَ في الكِتَابِ على لِسانِ النَّبيِّ أَشعيا: عاش النبي أشعيا في مملكة يهوذا من العام 740 إلى 701 ق.م. “صَوتٌ مُنادٍ في البَراري يَقولُ: “عليكُم أن تُهَيّئوا نُفوسَكُم لمَولاكُم، كَما تُمَهَّدُ السُّبُلَ لِمَقدَمِ مَلِكٍ عَظيمٍ، فلأجلِهِ ارفَعوا كُلَّ وادٍ واخفِضُوا كُلَّ جَبَلٍ، وقَوِّموا كُلَّ مُعوَجٍّ ومَهِّدوا كُلَّ وَعْرٍ، فسيَرى كُلُّ البَشَرِ كَيفَ يَتِمُّ إنقاذُ اللهِ للنّاس”.
وأتَتْ إلى النَّبيِّ يَحيى (عليه السّلام) جَماهيرُ مِن النّاسِ يَطلُبونَ مِنهُ التَّطَهُّرَ، والزَّيغُ يَملأُ قُلوبَهُم، فخاطَبَهُم قائلاً: “أيُّها الماكِرونَ كالأفاعي،§ كان الاعتقاد السائد في ذلك الوقت أنّ الحيّة رمز للمَكر. سيَحُلُّ غَضَبُ اللهِ عليكُم، فإلى أينَ ستَهرَبونَ مِنهُ ولَمَّا تَتوبُوا إليهِ مَتابا؟ توبوا إلى اللهِ، ولْتَكُن توبَتُكُم بَيِّنةً في أعمالِكُم الصّالحةِ، ولا تُسِرّوا في أنفُسِكُم أنّكُم في مَأمَنٍ مِن غَضَبِ اللهِ، كَما في قولِكُم: “نَحنُ المُنحَدِرونَ مِن سُلالةِ النَّبيِّ إبراهيمَ، شَعبُ اللهِ المُختارِ”.* كان اليهود يعتقدون آنذاك أنّ أعمال إبراهيم (عليه السّلام) الصالحة ستشمل آثارُها كلَّ مَن كان مِن سلالته فيغفر الله لجميع أولئك آثامَهم وذنوبهم. إنّ هذا لن يُفيدَكُم في شَيءٍ، فاللهُ قادِرٌ على أن يَستَبدِلَ بكُم حِجارةً يَجعَلُها أبناءً لإبراهيمَ! ألا فاعلَموا أنّ غَضَبَ اللهِ إنّما يَنزِلُ كالفأسِ تَقتَلِع الأشجارَ مِن جُذُورِها، ألاَ وإنّكُم هذِهِ الأشجارُ غَيرُ المُثمِرةُ! وغَيرُكُم مِمّن كانوا أمثَالَكُم كتِلكَ الأشجارِ الّتي سيَقتَلِعُها اللهُ ويُلقي بها في نارِ جَهَنَّمَ!”
10 فأجابَهُ الجَميعُ: “وما عَسانا فاعِلينَ حتّى تُقبَل تَوبَتُنا؟!” 11 فرَدَّ عليهِم يَحيى (عليه السّلام): “الصَّدَقةَ الصَّدَقةَ، فمَن كانَ يَملِكُ ثَوبَيْنِ فليَتَصَدّقْ بِواحدٍ، ومَن كانَ عِندَهُ طَعامٌ، فلْيُطعِمْ مَعَهُ المُحتاجينَ”. 12 وسألَهُ بَعضُ جُباةِ الضَّرائبِ للرّومانِ وقد أتَوا طالِبينَ التَّطَهُّرَ بالماءِ: كان الرومان يعيّنون جباة الضرائب من عامّة الشعب اليهودي. وكان هؤلاء يحصّلون الجمارك والضرائب الأخرى لمصلحة الرومان الذين كانوا يسيطرون على المنطقة التي كانت تحت احتلالهم، على أنّ هؤلاء الجباة اعتادوا تحصيل مبالغ إضافية زيادة عمّا فرضه الرومان لمصالحهم الخاصّة. “أيُّها المُعَلِّمُ، ونَحنُ كَيفَ يُمكِنُنا أن نَتوبَ؟!” 13 فأجابَهُم يَحيى (عليه السّلام) قائلاً: “أمّا أنتُم فالتَزِموا ما فَرَضَهُ الرّومانُ ولا تَطلُبوا فَوقَ ذلِكَ”. 14 وسألَهُ بَعضُ الجُنودِ الّذينَ كانوا بَينَ الجَمعِ قائلينَ: “ونَحنُ، ما تَرانا فاعِلينَ في سَبيلِ أن نَنالَ تَوبةً مِن اللهِ ورِضوانا؟” فأشارَ عليهِم بقولِهِ: “لا تَظلِموا النّاسَ، ولا تَفتَروا عليهِم، وكُونوا بأُجورِكُم قانِعينَ”.
15 وكانَ النّاسُ في ذلِكَ الوَقتِ يَنتَظِرونَ المَسيحَ المُنقِذَ مُتَلهّفينَ، فأخَذوا يُسائلونَ أنفُسَهُم ألاَ يَكونُ يَحيى هو ذاكَ المُنتَظَرُ. 16 فأجابَهُم يَحيى (عليه السّلام) قائلاً: “إنّ واجِبي يَقِفُ عِندَ حُدودِ تَطهيرِكُم بالاغتِسالِ بالماءِ، إلاّ أنّ القادِمَ مِن بَعدي ذاكَ الّذي هو أشَدُّ بأسًا مِنّي، ذاكَ الّذي لا أَرقى حتّى إلى حَلّ رِباطِ نَعلِهِ، كانت مهمّة ربط الحذاء وغسل القدمين من عمل العبيد. هو الّذي سيُطَهِّرُ الخاضِعينَ للهِ بِرُوحِ اللهِ ويُعَذِّبُ الرّافِضينَ بالنّارِ! 17 وهو الّذي سيُنَقّي النّاسَ، كالفَلاّحِ الّذي يَذري قَمحَهُ ليَجمَعَ الحُبوبَ الصّالحةَ في مَخزَنِهِ، ويَطرَحَ التّبنَ والقُشورَ في نارٍ لا تَنطَفئ”. 18 بهذِهِ الكَلِماتِ وبكَثيرٍ غَيرِها كانَ يَحيى (عليه السّلام) يُبَلِّغُ النّاسَ رِسالةَ اللهِ مُبَشِّرًا مُنذِرًا.
19 وفي تِلكَ الفَترةِ، كانَ أَنْتيباسُ بِن هيرودُسُ حاكمًا، وحَصَلَ أن تَزَوَّجَ بهيروديّة امرأةِ أخيهِ مُخالِفًا بذلِكَ الشَّرائعَ، فكانَ يَحيى (عليه السّلام) يُوَبِّخُهُ ويَزجُرُهُ، رافِضًا ما فَعَلَهُ، مُعارِضًا التّجاوزات والظُّلمَ الّذي كانَ يُلحِقُهُ بالنّاسِ، 20 فَزَادَ ذلِكَ مِن عَنَتِ أنتيباسَ فلَجَّ في ظُلمِهِ وجَورِهِ حتّى وَصَلَ بِهِ الأمرُ إلى حَبسِ نَبيِّ اللهِ يَحيى (عليه السّلام) في السِّجنِ.
تغطيس سيّدنا عيسى (سلامُهُ علينا)
21 وعِندَما كانَ يَحيى (عليه السّلام)، قَبلَ حَبسِهِ، يُطَهِّرُ النّاسَ بالماءِ، أتى سَيِّدُنا عيسى وتَطَهَّرَ مِثلَهُم.§ تقبّلُ الناس التطهّرَ على يد النبي يحيى (عليه السلام) دليلٌ على أنّهم كانوا مستعدّين للإيمان بالمسيح المنتظر الآتي من بعده. وكان لزاما أن يتوبوا عن خطاياهم وذنوبهم كشرط التطهّر بالماء. ورغم أنّ سيّدنا عيسى (سلامُهُ علينا) كان بلا ذنوب أو خطايا يتوب عنها، فقد قام بالتطّهر بالماء أيضًا ليعلن استعداده كي ينال منصب المسيح الملك من الله تعالى. ثُمّ قامَ لصَلاتِهِ، فانشَقَّت السَّماءُ أثناءَ ذلِكَ 22 وحَظيَ بنُزولِ رُوحِ اللهِ عليهِ على هَيئةِ حَمامةٍ، ونادى صَوتٌ مِن السَّماءِ: “أنتَ الحَبيبُ، الابنُ الرُّوحيُّ لي، وقد رَضِيتُ عَنكَ كُلَّ الرِّضى”.
نسب عيسى بن مريم (سلامُهُ علينا)
23 ولمّا بَلَغ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) مِن العُمرِ الثّلاثينَ، بَدأ بِنَشرِ دَعوتِهِ السَّماويّةِ، وكانَ النّاسُ يَحسَبونَهُ ابنَ يوسفَ، إلاّ أنّ سَيِّدَنا عيسى (سلامُهُ علينا)* في القرن الأوّل، كانت هويّة المولود الشرعيّة تعتمد على الأب وليس على الأم. ولأنّ سيّدنا عيسى لم يكن له أب بشري، فقد تمّ تحديد نسبه من أمّه مريم. ولكن بسبب عدم ذكر النساء في سجلاّت الأنساب في ذلك الوقت، كان اسم مريم محذوفا من النسب ويبتدئ جدول الأسماء بأبي مريم، الذي اسمه عالي. 24 كانَ يَعودُ بِنَسَبِهِ إلى عالي بِن مَتّاتَ بِن لاوي بِن مَلْكي بِن يَنَّا بِن يوسفَ 25 بِن مَتاتيا بِن عاموسَ بِن ناحومَ بِن حَسْلي بِن نَجّاي 26 بِن مَآتَ بِن مَتاتيا بِن شِمْعي بِن يُوسفَ بِن يَهوذا 27 بِن يوحَنّا بِن ريسا بِن زَرْبابِلَ بِن شَأَلْتيلَ بِن نِيري 28 بِن مَلْكي بِن أَدِّي بِن قُوسامَ بِن أَلْمُدامَ بِن عايرَ 29 بِن يَشوعَ بِن عُزيرَ بِن يُوريمَ بِن مَتاتَ بِن لاوي 30 بِن شِمْعونَ بِن يَهوذا بِن يُوسفَ بِن يُونِسَ بِن أَلِياقيمَ 31 بِن مَلَيا بِن مَنّا بِن مَتاتا بِن ناثانَ بِن داودَ (عليه السّلام) 32 بِن يَسّى بِن عُبيدَ بِن بُوعَزَ بِن سَالِمَ بِن ناحِشَ 33 بِن عَمينادابَ بِن آرامَ بِن حاصِرَ بِن فارِصَ بِن يَهوذا 34 بِن يَعقوبَ (عليه السّلام) بِن إسحاقَ (عليه السّلام) بِن إبراهيمَ (عليه السّلام) بِن تارَحَ بِن ناحورَ 35 بِن سَروجَ بِن رَاعو بِن فالَجَ بِن عابِرَ بِن شالَحَ 36 بِن قِينانَ بِن أَرْفَكْشادَ بِن سامِ بِن نوحٍ (عليه السّلام) بِن لامِكَ 37 بِن مَتوشالِحَ بِن إِدريسَ (عليه السّلام) بِن يارِدَ بِن مَهْلَلَيلَ بِن قِينانَ 38 بِن أَنوشَ بِن شِيتَ بِن سَيِّدِنا آدمَ الّذي خَلَقَهُ اللهُ.

*الفصل الثّالث:1 كان الإمبراطور طيباريوس حاكمًا على الامبراطورية الرومانية من سنة 14 إلى سنة 37 ميلادية، ولكنّه بدأ يشارك سَلَفَه أغسطس في الحكم في العام 11 أو 13 م. وفي السنة الخامسة عشرة من بداية حكمه (أي سنة 28 أو سنة 29 ميلادية) ظهرت دعوة النبي يحيى.

الفصل الثّالث:2 كان القيصر طيباريوس قد عيّن بيلاطس حاكمًا على مقاطعة يهوذا في الفترة الواقعة ما بين 26 – 36 للميلاد. والهيرودس الذي حكم الجليل آنذاك هو انتيباس بن هيرودس الذي كان حاكمًا على الجليل وبيرية من 4 ق.م. إلى 39 م. وقام الرومان بتعيين فيليب الثاني أخي أنتيباس حاكمًا على منطقة حوران والبقاع الغربي. والمعلومات حول ليسانيوس قليلة. وقد كان حنّا رئيسًا على أحبار اليهود من 6 إلى 15 للميلاد. وكان صهره قيافا كذلك رئيسًا على الأحبار من سنة 18 إلى 37 للميلاد.

الفصل الثّالث:4‏-6 عاش النبي أشعيا في مملكة يهوذا من العام 740 إلى 701 ق.م.

§الفصل الثّالث:7 كان الاعتقاد السائد في ذلك الوقت أنّ الحيّة رمز للمَكر.

*الفصل الثّالث:8 كان اليهود يعتقدون آنذاك أنّ أعمال إبراهيم (عليه السّلام) الصالحة ستشمل آثارُها كلَّ مَن كان مِن سلالته فيغفر الله لجميع أولئك آثامَهم وذنوبهم.

الفصل الثّالث:12 كان الرومان يعيّنون جباة الضرائب من عامّة الشعب اليهودي. وكان هؤلاء يحصّلون الجمارك والضرائب الأخرى لمصلحة الرومان الذين كانوا يسيطرون على المنطقة التي كانت تحت احتلالهم، على أنّ هؤلاء الجباة اعتادوا تحصيل مبالغ إضافية زيادة عمّا فرضه الرومان لمصالحهم الخاصّة.

الفصل الثّالث:16 كانت مهمّة ربط الحذاء وغسل القدمين من عمل العبيد.

§الفصل الثّالث:21 تقبّلُ الناس التطهّرَ على يد النبي يحيى (عليه السلام) دليلٌ على أنّهم كانوا مستعدّين للإيمان بالمسيح المنتظر الآتي من بعده. وكان لزاما أن يتوبوا عن خطاياهم وذنوبهم كشرط التطهّر بالماء. ورغم أنّ سيّدنا عيسى (سلامُهُ علينا) كان بلا ذنوب أو خطايا يتوب عنها، فقد قام بالتطّهر بالماء أيضًا ليعلن استعداده كي ينال منصب المسيح الملك من الله تعالى.

*الفصل الثّالث:23 في القرن الأوّل، كانت هويّة المولود الشرعيّة تعتمد على الأب وليس على الأم. ولأنّ سيّدنا عيسى لم يكن له أب بشري، فقد تمّ تحديد نسبه من أمّه مريم. ولكن بسبب عدم ذكر النساء في سجلاّت الأنساب في ذلك الوقت، كان اسم مريم محذوفا من النسب ويبتدئ جدول الأسماء بأبي مريم، الذي اسمه عالي.