الفصل الرّابع والعشرون
عيسى (سلامُهُ علينا) يتنبّأ بخراب القدس
وبَينَما كانَ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) يُغادِرُ الحَرَمَ الشَّريفَ، سائرًا في طَريقِهِ، انضَمَّ إليهِ أتباعُهُ ليُحَدِّثوهُ عن رَوعةِ المَباني في ذلِكَ الحَرَمِ، فأجابَهُم قائلاً: “هل تَرونَ كُلَّ هذا؟ الحَقَّ أقولُ لكُم، سيأتي عليهِ يَومٌ يُهدَمُ فيهِ كُلُّهُ ولن يَبقى فيهِ حَجَرٌ على حَجَرٍ”. وبَينَما كانَ (سلامُهُ علينا) جالِسًا على جَبَلِ الزّيتونِ، أقبَلَ عليهِ أتباعُهُ وانفَرَدوا بِهِ قائلينَ: “أخبِرنا مَتى يَكونُ زَمَنُ ذلِكَ الخَرابِ، وما العَلامةُ الّتي تَسبِقُ مَجيئَكَ مَلِكًا وقيامَ السّاعةِ؟”* يرد السيد المسيح على سؤال الحواريين وينصحهم عند مشاهدتهم خراب القدس أن يفهموا أن قيام الساعة لا يزال بعيدا. وكما تنبأ سيدنا المسيح، فقد خرب الرومان القدس وبيت الله المقدّس سنة 70 م، وتزامن هذا الخراب مع كل الدلائل التي تنبأ بها السيد المسيح. وقد وظّف السيد المسيح الصور التي تتضمن تضخيما لبعض القصص مقتديا بما فعله غيره من الأنبياء. فرَدَّ قائلاً: “اِحذَروا أن يُضِلَّكُم أحَدٌ عن السَّبيلِ! فسيأتي الكَثيرونَ ومُنتَحِلينَ لَقَبي، فيَدّعِي أحَدُهُم قائلاً: “أنا المَسيحُ المُنتَظَرُ”، فيُضِلُّ بذلِكَ كَثيرًا مِن النّاسِ. وستَسمَعونَ أنباءَ حُروبٍ تُشَنُّ وفِتَنٍ تَسودُ الأرضَ، فلا تَضطَرِبوا، لأنّهُ لا بُدَّ مِن حُدوثِ كُلِّ ذلِكَ ولكنْ لَيسَ هذا زَمَنَ قيامِ السّاعةِ. وستَقومُ حُروبٌ بَينَ الدُّولِ والمَمالِكِ وتَعُمُّ المَجاعاتُ والزَلازِلُ الأرضَ، ولكن ذلِكَ كُلُّهُ سيَكونُ مُجَرِّدَ بِدايةِ المَصاعِبِ كالمَخاضِ الّذي يُبَشِّرُ بالولادةِ.
وستَتَعَرَّضونَ أنتُم يا أتباعي للعَذابِ والقَتلِ وستَكونونَ مَحطَّ كُرهِ كُلِّ الشُّعوبِ بسَبَبِ إخلاصِكُم لي، 10 فيَرتَدُّ الكَثيرونَ مِنكم، ويَخونُ بَعضُكُم بَعضًا، 11 وسيَظهَرُ الكَثيرُ مِن مُدَعَّي النّبوّة الّذينَ يُضِلّونَ الكَثيرينَ. 12 وسيَعُمُّ الشَّرُّ فتَتَلاشى المَحبّةُ بَينَ النّاسِ. 13 حينئذٍ لن يَنجوَ إلاّ مَن كانَ ثابِتًا على إيمانِهِ إلى النِّهايةِ. 14 وسيَقومُ أتباعي بِنَشرِ البَيانِ بقيامِ المَملكةِ الرَّبّانيّةِ في جَميعِ أنحاءِ العالَمِ وتَصِلُ الرِّسالةُ إلى كُلِّ الشُّعوبِ، ثُمّ تَقومُ السّاعةُ.
15 فحين تَرونَ أنّ ‏“رِجسَ الخَرابِ”‏ قد حَلَّ داخِلَ بَيتِ اللهِ، (وعليك أن تفهم أيّها القارئ المَقصود برِجسِ الخَراب)، تشير الملحوظة هنا إلى ما تنبأ به النبي دانيال (عليه السّلام) في كتابه (دانيال 9: 27). وكان هذا بمثابة تحذير للقراء في زمن الحواري متّى حتّى يفهموا حقيقة الرجس الذي يسبق تدمير القدس وبيت الله ليهربوا من المدينة قبل حدوث الدمار. 16 فليَهرُب سُكّانُ مِنطقة يَهوذا إلى الجِبالِ دونَ تَرَدُّدٍ، أطاع أتباع السيد المسيح ما جاء في وصيته (سلامه علينا) عندما أمرهم بالهروب إلى الجبال، فهروبوا إلى الجبال الواقعة في الضفة الشرقية من نهر الأردن، واستقرّوا في مدينة بيلا (طبقة فحل) الواقعة في الغور (وادي الأردن). وحدث هذا قبل خراب القدس في سنة 70 للميلاد. وقد دوّن بعض رجال الدين المعاصرين هذه المعلومات. 17 فالوَقتُ عِندئذٍ سيَكونُ ضَيّقًا ضَيِّقًا حتّى إنّ مَن كانَ على السَّطحِ لن يَجِدَ الوَقتَ لجَمْعِ حاجياتِهِ التّي في الدّارِ، 18 ولا يَكونُ لعامِلِ الحَقلِ وقتٌ لأخذِ ثَوبِهِ. 19 وحِينَئذٍ يا وَيل للحَوامِلِ والمُرضِعات! 20 فاسألوا اللهَ أن لا يَكونَ فِرارُكُم في يومِ سَبتٍ أو في فَصلِ الشِّتاءِ لصُعوبةِ الهُروبِ في ذلِكَ الوَقتِ.§ إنّ السفر في فصل الشتاء شاق بسبب فيضانات الأودية، كما أنّه حُدّد لمسافات قصيرة بالنسبة لليهود يوم السبت. 21 وسيُصيبُ النّاسَ في ذلِكَ الوَقتِ ضِيقٌ شَديدٌ لم يَمُرَّ على العالَمِ مِثلُهُ مُنذُ بدايةِ الخَلق، ولن يَمُرَّ ذاكَ عليهِم ثانيةً، 22 وسيَكونُ أمَدُ تلِكَ الأيّامِ قَصيرًا وإلاّ ما استطاعَ واحدٌ مِن هذا الشَّعبِ النّجاةَ. وقِصَرُ الأيّام هِبةٌ مِن اللهِ على النّاسِ كَرامةً لعِبادِهِ الصّالِحينَ المُختارينَ.
23 وأقولُ لكُم: حَذارِ أن تَصَدِّقوا مَن يَدَّعونَ أنّ المَسيحَ المُنتَظَرَ هو هُنا أو هُناكَ، 24 فسيَقومُ مَن يَدَّعونَ أنّهُم المَسيحُ أو أنّهُم أنبياءُ بإظهارِ عَجائبٍ عَظيمةٍ تَسحَرُ عُيونَ النّاسِ ليُضِلّوهُم ويُضِلّوا حتّى أولياءِ اللهِ إن أمكَنَ ذلِكَ. 25 وها أنا أُنذِرُكُم مُسبَقًا! 26 إن قالوا لكُم إن المَسيحَ المُنتَظَرَ مَوجودٌ هُنا أو هُناكَ، أو في البَراري أو في غُرَفِ البُيوتِ، فلا تَستَجيبوا لهُم ولا تَذهَبوا إلى حَيثُ أشاروا، 27 لأنّ سَيِّدَ البَشَرِ سيأتي كالبَرقِ الّذي يُضيءُ الأرضَ شَرقًا وغَربًا ليَستَقبِلَهُ النّاسُ وليَحتَفِلوا بِهِ مَلِكًا، وسيَعرِفُ الجَميعُ بذلِكَ 28 كَما يُعرَفُ مَكانُ الفَريسةِ بكَثرةِ الجَوارحِ.* سيكون قدوم سيّد البشر واضحا للعيان كوضوح مكان الفريسة لكثرة الجوارح.
مجيء عيسى (سلامُهُ علينا) مَلِكًا
29 وتابَعَ عيسى (سلامُهُ علينا) قائلاً: “وحالُ اشتِدادِ الأمرِ على النّاسِ في تِلكَ الأيّامِ، يَخبو شُعاعُ الشَّمسِ، ويَختَفِي نورُ القَمَر، وتَتَهاوى النُّجومُ مِن السَّماءِ، وتَفقِدُ الأجرامُ السَّماويّةُ تَوازُنَها، كان الأنبياء القدامى غالبا ما يتحدثون عن ظهور آيات في السماء عند ذكرهم لقيام الساعة. لكنهم كانوا يتحدثون أيضا بنفس الطريقة عند إشارتهم إلى العقاب الذي ينزله الله على الشعوب. وقد حدثت بعض هذه الآيات المذكورة عند دمار مدينة القدس سنة 70 للميلاد. 30 ويُرافِقُ ذلِكَ ظُهورُ عَلامةٍ في السَّماءِ تُنبئ بقُدومِ سَيِّدِ البَشَرِ، قادِمًا في ظُلَلٍ مِنَ الغَمامِ بكُلِّ عِزّةٍ وهَيبةٍ، وتَنتَحِبُ شُعوبُ الأرضِ رَهبةً، 31 ويُرسِلُ سَيِّدُ البَشَرِ المَلائكةَ نافِخةً في الصُّورِ، لِجَمعِ أتباعِهِ المُختارينَ مِن جَميعِ أقاصِي الأرضِ. كان البوق يستخدم للإعلان عن تتويج الملوك وللإعلان أيضا عن أحداث أخرى عظيمة كاقتراب المعارك ودمار المدن.
32 وليَكُنْ لكُم في شَجَرةِ التِّينِ عِبرةٌ، فكَما يُنبئُكُم لينُ أغصانِها وظُهورُ أوراقِها الخَضراءِ بقُربِ حُلولِ الصَّيفِ،§ توظيف شجرة التين لا يحمل دلالة رمزية كما هو الشأن في متّى 21: 19. 33 تُنبئُكُم تِلكَ الظَّواهِرُ الكونيّةُ بأنّ مَجيءَ سَيّدِ البَشَرِ باتَ قَريبًا. 34 الحقَّ أقولُ لكُم: لا تَزولُ هذِهِ الجَماعةَ أبَدًا حتّى تَتِمَّ الأحداثُ الّتي تُرافِقُ خَرابَ القُدس.* حلّ الدمار على بيت الله المقدّس بعد أربعين سنة من نطق سيدنا عيسى بهذه الكلمات. لكنه لم يحدد أبدا موعد عودته. 35 إنّ السَّماواتِ والأرضَ زائلةٌ، أمّا كَلامي فبَاقٍ لن يَزول!
36 وأمّا مَوعدُ مَجيءِ سَيّدِ البَشَرِ مَلِكًا، فلا أحَدَ يَعرِفُ مَتى يَحينُ ذلِكَ اليومُ أو تِلكَ السّاعةُ، ولا حتّى سَيِّدُ البَشَرِ والمَلائكة. فاللهُ الأبُ الرَّحمنُ الرَّحيمُ وَحدَهُ يَملِكُ عِلمَ السّاعةِ!” 37 وكَما كانَ حالُ النّاسِ في عَهدِ النَّبيِّ نوحٍ، يَكونُ حالُهُم في هذِهِ الدُّنيا عِندَما يأتي سَيِّدُ البَشَرِ مَلِكًا. 38 لقد كانَ أولئكَ قَبلَ الطُّوفانِ غارِقينَ في شُؤونِ حياتِهِم الدُّنيويّةِ يأكُلونَ ويَشرَبونَ ويَتَزاوجونَ إلى أنْ رَكِبَ النَّبيُّ نوحٌ سَفينتَهُ، 39 وحَلَّ بَعدَهُ الطُّوفانُ، فأُخِذَ قَومُهُ على حينِ غِرّةٍ! وكذلِكَ الأمرُ مَعَ سَيِّدِ البَشَرِ، فسيأتي والنّاسُ مُستَغرِقونَ في حياتِهِم. 40 في ذلِكَ الوَقتِ يَكونُ رَجُلاَنِ يَعمَلانِ في حَقلِهِما، فيأخذُ اللهُ أحَدَهُما للعِقابِ دونَ الآخَرِ، 41 وتَكونُ إمرأتانِ تَعمَلانِ في طاحونةٍ، فيأخُذُ اللهُ واحِدةً دونَ الأُخرى.
42 وإنّي لمُوصيكُم أن تَكونوا حَذِرينَ يَقِظينَ لأنّكُم لا تَدرُونَ زَمَنَ حُضورِ مَولاكُم. 43 واعلَموا أنّهُ لو كانَ صاحِبُ الدّارِ على عِلمٍ بمَوعدِ مَجيءِ اللِّصّ لظَلَّ ساهِرًا حِفاظًا على دارِهِ. 44 فكونوا أنتُم أيضًا على استِعدادٍ دائمٍ لمَجيء سَيِّدِ البَشَرِ لأنّكُم تَجهَلونَ مَوعِدَ قُدومِهِ.
الوكيل الأمين
45 إنّ مَثَلَ أتباعي المُخلِصينَ كمَثَلِ العَبدِ الأمينِ الّذي يَقومُ على أُمورِ سَيِّدِهِ فيُديرُ البيتَ ويُطعِمُ غَيرَهُ مِن العَبيدِ في الوَقتِ المُناسِبِ. 46 فإذا كانَ مُخلِصًا لعَمَلِهِ حتّى في غِيابِ سَيّدِهِ، نالَ خَيرَ الجَزاءِ. وعِندَ عَودةِ سَيِّدِهِ 47 يُقيمُهُ على جَميعِ مُمتلكاتِهِ! 48 أمّا إذا حَدَّثَ العَبدُ نَفسَهُ قائلاً: “لن يَعود سَيِّدي إلا بَعدَ أمَدٍ.” 49 ثُمّ يَترُكُ أُمورَ سَيِّدِهِ ويَنصَرِفُ إلى قَضاءِ وَقتِهِ مَعَ قُرَناءِ السُّوءِ شارِبي الخَمَرِ، بَعدَ اعتِدائِهِ على غَيرِهِ مِن العَبيدِ بالضَّربِ والإهانةِ. 50 عِندئذٍ يُفاجِئُهُ سَيِّدُهُ في وَقتٍ لم يَتَوَقَّعْ مَجيئَهُ فيهِ، 51 ويَغضَبُ عليهِ غَضَبًا حتّى يَكادَ يُمَزِّقُهُ إرَبًا إرَبًا، ويَجعَلُ مَصيرَهُ كمَصيرِ المُنافِقينَ حَيثُ البُكاءُ وصَريرُ الأسنانِ مِن الحَسرةِ والنَّدَمِ”.

*الفصل الرّابع والعشرون:3 يرد السيد المسيح على سؤال الحواريين وينصحهم عند مشاهدتهم خراب القدس أن يفهموا أن قيام الساعة لا يزال بعيدا. وكما تنبأ سيدنا المسيح، فقد خرب الرومان القدس وبيت الله المقدّس سنة 70 م، وتزامن هذا الخراب مع كل الدلائل التي تنبأ بها السيد المسيح. وقد وظّف السيد المسيح الصور التي تتضمن تضخيما لبعض القصص مقتديا بما فعله غيره من الأنبياء.

الفصل الرّابع والعشرون:15 تشير الملحوظة هنا إلى ما تنبأ به النبي دانيال (عليه السّلام) في كتابه (دانيال 9: 27). وكان هذا بمثابة تحذير للقراء في زمن الحواري متّى حتّى يفهموا حقيقة الرجس الذي يسبق تدمير القدس وبيت الله ليهربوا من المدينة قبل حدوث الدمار.

الفصل الرّابع والعشرون:16 أطاع أتباع السيد المسيح ما جاء في وصيته (سلامه علينا) عندما أمرهم بالهروب إلى الجبال، فهروبوا إلى الجبال الواقعة في الضفة الشرقية من نهر الأردن، واستقرّوا في مدينة بيلا (طبقة فحل) الواقعة في الغور (وادي الأردن). وحدث هذا قبل خراب القدس في سنة 70 للميلاد. وقد دوّن بعض رجال الدين المعاصرين هذه المعلومات.

§الفصل الرّابع والعشرون:20 إنّ السفر في فصل الشتاء شاق بسبب فيضانات الأودية، كما أنّه حُدّد لمسافات قصيرة بالنسبة لليهود يوم السبت.

*الفصل الرّابع والعشرون:28 سيكون قدوم سيّد البشر واضحا للعيان كوضوح مكان الفريسة لكثرة الجوارح.

الفصل الرّابع والعشرون:29 كان الأنبياء القدامى غالبا ما يتحدثون عن ظهور آيات في السماء عند ذكرهم لقيام الساعة. لكنهم كانوا يتحدثون أيضا بنفس الطريقة عند إشارتهم إلى العقاب الذي ينزله الله على الشعوب. وقد حدثت بعض هذه الآيات المذكورة عند دمار مدينة القدس سنة 70 للميلاد.

الفصل الرّابع والعشرون:31 كان البوق يستخدم للإعلان عن تتويج الملوك وللإعلان أيضا عن أحداث أخرى عظيمة كاقتراب المعارك ودمار المدن.

§الفصل الرّابع والعشرون:32 توظيف شجرة التين لا يحمل دلالة رمزية كما هو الشأن في متّى 21: 19.

*الفصل الرّابع والعشرون:34 حلّ الدمار على بيت الله المقدّس بعد أربعين سنة من نطق سيدنا عيسى بهذه الكلمات. لكنه لم يحدد أبدا موعد عودته.