الفصل الخامس والعشرون
مَثل الفتيات الحصيفات والفتيات اللاهيات
وتابَعَ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) حَديثَهُ قائلاً: “إنّ مَثَلَ الاستِعدادِ لمَجيءِ المَسيحِ لاستِقبالِهِ والاحتِفالِ بِهِ مَلِكًا كمَثَلِ عَشَرِ فَتياتٍ عَذارَى، ذَهَبنَ إلى حُضورِ حَفلةِ عُرسٍ، فخَرَجنَ وهُنّ يَحمِلنَ مَصابيحَهُنّ ليُرافِقنَ العَريسَ في الزَّفّة. 2‏-4 وكانَت خَمسٌ مِنهُنّ حَكيماتٍ، فجَهَّزنَ مَصابيحَهُنّ وأتينَ بالمَزيدِ مِن الزَّيتِ، أمّا الأُخرياتُ فكُن لامُبالياتٍ، فلم يُعِرنَ اهتِمامًا لجَلبِ المَزيدِ مِن الزَّيتِ لمَصابيحِهِنّ. وحَلَّ اللَّيلُ وأبطَأ العَريسُ فنَعِسَت الفَتياتُ العَشَرُ ورُحنَ في نومٍ عَميقٍ. وعِندَ مُنتَصَفِ اللّيلِ، تَعالى الهُتافُ: “جاءَ العَريسُ! تَعالوا لنَزُفَّهُ!” فاستَيقَظَت عِندئذٍ الفَتياتُ العَشَرُ، وجَهَّزَت كُلُّ واحدةٍ مِصباحَها. لكنّ الفَتايات اللامُباليات عَجَزنَ عن إضاءةِ مَصابيحِهِنّ بسَبَبِ نَفادِ الزَّيتِ. فسألنَ الخَمسَ الأُخرَيات أن تُعطينَهُنّ مِن زَيتِهِنّ، فرَفَضنَ قائلات: “رُبَّما لا يَكفي ما جَلبناهُ مِن زَيتٍ لنا جَميعًا، فاذهَبنَ وابتَعنَ مِن الزَّيتِ ما أنتُنّ بحاجةٍ إليهِ”، 10 ففَعَلنَ ذلِكَ، وأثناءَ غَيبتِهِنّ، جاءَ العَريسُ وشارَكَت الفَتياتُ الحَكيماتُ في الزَّفّةِ، ثُمّ دَخَلنَ مَعَهُ حَفلَ العُرسِ وأُغلِقَ وَراءهُنّ البابَ. 11 وبَعدَ فَترةٍ مِن الزَّمَنِ، جاءَت الفَتياتُ اللامُباليات اللواتي أضَعنَ وَقتَهُنّ في البَحثِ عن زَيتٍ لمَصابيحِهِنّ، وأرَدنَ دُخولَ الحَفلةِ، فتَوَّسَلنَ إلى العَريسِ لكي يَفتَحَ البابَ قائلاتٍ: “يا سَيِّدُنا، يا سَيّدَنا، افتَح لنا!” 12 إلاّ أنّهُ رَفَضَ استِقبَالَهُنّ قائلاً: “أنتُنّ غَيرُ جَديراتٍ بحُضورِ الحَفلِ!”* بما أنّ الفتايات قد استخففن بأهمية هذه المناسبة وبمكانة العريس، فلم يحضرن الزفة كاملة، من غناء ورقص، لذلك منعن من دخول دار العرس على مدى أيام الاحتفال. 13 والعِبرةُ في ذلِكَ يا أتباعي وُجوبُ اليَقَظةِ والاستِعدادِ الدّائمِ لأنّكُم لا تَعرِفونَ مَوعدَ مَجيءِ سَيِّدِ البَشَرِ”.
مثل أكياس الذّهب
14 وساقَ (سلامُهُ علينا) مَثَلاً آخَرَ فقالَ: “أرادَ رَجُلٌ السَّفَرَ بَعيدًا، فنادى عُمّالَهُ وأوكَلَ إليهِم شأنَ أموالِهِ، ووَزَّعَ عليهِم أكياسًا مِن الذَّهَبِ. 15 فأعطى الأوّلَ خَمسةَ أكياسٍ والثّاني كيسَينِ، والثّالثَ كِيسًا، كُلاًّ حَسَبَ مَقدرتِهِ ثُمّ سافَرَ. 16 فما كانَ مِن الأوّلِ صاحِبِ الأكياسِ الخَمسةِ إلاّ أن باشَرَ استِثمارَها في عَمَلٍ تِجاريّ ورَبِحَ ضِعفَها. 17 وكذا فَعَلَ الثّاني فرَجَعَ المالُ عليهِ بالضِّعفِ أيضًا. 18 أمّا الرَّجُلُ الثّالِثُ فقد آثَرَ أن يُخَبّئ كِيسَ المالِ في حُفرةٍ في الأرضِ دونَ أن يَستَثمِرَهُ في عَمَلٍ ما. 19 وبَعدَ مُدَّةٍ طَويلةٍ عادَ صاحِبُ المالِ وأرادَ أن يُحاسِبَهُم، 20 فجاءَ الّذي أخَذَ الأكياسَ الخَمسةَ وأعادَها مَعَ ضِعفِها قائلاً: “يا سَيِّدي، أعطيتَني خَمسةَ أكياسٍ ذَهَبًا، فخُذ الّذي أعطَيتَني ومَعَهُ ما كَسَبتُهُ لكَ مِن رِبحٍ!” 21 فأجابَهُ سَيّدُهُ: “نِعْم الخادمُ الأمينُ أنتَ! كُنتَ أمينًا على القَليلِ، ولَأَعهَدَنَّ إليكَ بالكَثيرِ. فَلنَحتَفِلْ مَعًا!” 22 وجاءَ الّذي أخَذَ كيسَينِ، فقالَ: “يا سَيِّدي، أعطَيتَني كيسَينِ ذَهَبًا، فخُذهُما مَعَ ما كَسَبتُ لكَ مِن رِبحٍ!” 23 فأجابَهُ سَيِّدُهُ: “نِعمَ الخادِمُ الأمينُ! كُنتَ أمينًا على القليلِ، ولَأَعهدَنَّ إليكَ بالكَثيرِ. لنَحتَفِل مَعًا!” 24 ثُمّ جاءَ الرَّجُلُ الّذي أخَذَ الكيسَ الواحدَ، فقالَ: “يا سَيِّدي، أنا سَمِعتُ أنّكَ رَجُلٌ قاسٍ، تَكسِبُ مِن تَعبِ غَيرِكَ، وتَحصِدُ ما لم تَزرَع. 25 فخِفتُ فذَهَبتُ وخَبّأتُ ما أعطَيتَني مِن مالٍ في التُّرابِ، وها هو المالُ الّذي أعطَيتَني”. لم يكترث الخادم الثالث بمصير الأمانة التي تركها له سيده. فلو كان حريصا على قيمة هذا المال، لوضعه في أمان عند الصيارفة، ولكن يبدو أنه لم يحسن تدبير الأمانة مثل الآخرين. 26 فأجابَهُ سَيِّدُهُ غاضِبًا: “أيُّها الخادِمُ الحَقيرُ! لقد ظَنّنتَ أنّي شَديدُ القَسوةِ، وأنّي أستَفيدُ مِن تَعبِ غَيري، وأحصُدُ مِن حَيثُ لم أزرَع. 27 إن كانَ الأمرُ كذلِكَ، فلِمَ لم تَضعْ مالي عِندَ الصَّيارفةِ لأستَرِدَّهُ حين عَودتي مُضاعَفًا مَعَ مالِ الرِّبا؟” كان اليهود يعتبرون أن التعامل بالربا فيما بينهم ممنوع، لكنه يجوز مع غيرهم. 28 وتَوَجَّهَ إلى الحاضِرينَ آمِرًا: “خُذوا مِنهُ الكيسَ، وأعطُوهُ لمَن تَعِبَ وجاءَ بضِعفِ الأكياسِ الخَمسة، 29 لأنّ مَن يَعمَلُ بأمانةٍ وإخلاصٍ تَتَضاعفُ وَديعتُهُ وتَزيدُ، وأمّا مَن لا يَعمَلُ بأمانةٍ وإخلاصٍ فلا حَظَّ لهُ في مالي، وإن أعطَيناهُ القليلَ، استرجَعناهُ مِنهُ.§ يشير هذا المثل إلى ضرورة حسن التصرف في ممتلكاتنا بما يرضي الله، لأنّ الله سيحاسبنا على ذلك. 30 ولَيسَ لنا في هذا العامِلِ مِن رَجاءٍ، فأبعِدوهُ خارجًا في الظُّلُماتِ مَعَ الذّينَ يَبكونَ نَدَمًا وحَسرةً على سُوءِ أعمالِهِم”.
يوم الدّين
31 وتابَعَ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) حَديثَهُ قائلاً: “وعِندَ مَجيءِ سَيّدِ البَشَرِ في هَيبتِهِ تُرافِقُهُ كُلُّ المَلائكةِ، سيَجلِسُ على عَرشِهِ المَجيدِ 32 حَيثُ تَجتَمِعُ أمامَهُ جَميعُ الأُمَم، ويَبدأُ في الفَصلِ بَينَ العُصاةِ والمُطيعينَ كَما يَفصِلُ الرّاعي خِرافَهُ عن جِدائِهِ، 33 فيَجعَلُ الخِرافَ عن يَمينِهِ والجِداءَ عن شِمالِهِ، 34 ثُمّ يَلتَفِتُ إلى المُطيعينَ الواقِفينَ عن يَمينِهِ ويُقولُ لهُم: “إليّ يا مَن أنعَمَ عليهِم اللهُ أبي الصَّمَدُ، خُذوا نَصيبَكُم في المَملكةِ الرَّبّانيّةِ المُعَدّةِ لكُم مُنذُ خَلَقَ اللهُ العالَمينَ، 35 وذلِكَ لأنّني كُنتُ جائعًا فأطعَمتُموني، وعَطِشًا فسَقَيتُموني، وغَريبًا فآويتُموني، 36 وعارِيًا فكَسَوتُموني، ومَريضًا فعُدتُموني، وسَجينًا فزُرتُموني”. 37 ويُسَلِّمُ عليهِ الأتقياءُ قائلينَ: “يا سَيِّدَنا، كَيفَ ذلِكَ؟! مَتى رأيناكَ جائعًا فأطعَمناكَ، وعَطِشًا فسَقيناكَ، 38 وغَريبًا فآويناكَ، وعاريًا فكَسوناكَ، 39 ومَريضًا فعُدناكَ، وسَجينًا فزُرناكَ؟” 40 فيُجيبُهُم المَسيحُ المَلِكُ قائلاً: “الحَقَّ أقولُ لكُم، عِندَما فَعَلتُم ذلِكَ كُلِّهِ مَعَ أتباعي، حتّى مَن كانَ مِنهُم مُحتَقَرًا، فكأنّكُم فَعَلتُم ذلِكَ كُلِّهِ مَعي”. 41 ثُمّ يَلتَفِتُ المَسيحُ المَلِكُ إلى العُصاةِ عن شِمالِهِ ويَقولُ: “ابتَعِدوا عنّي يا مَلاعينُ، إنّ مَصيرَكُم النّارُ الأبَديّةُ المُعَدّةُ لإبليسَ وأعوانِهِ مِن الشَّياطينِ،* تقول بعض تعاليم اليهود أن الله خلق الشيطان ليُطرح في جهنم، لكنه لم يخلق البشر ليدخلوا جهنم. كما أن كثيرا من اليهود كانوا يعتقدون أن الشياطين هم في الأصل ملائكة عصوا الله. 42 فقد كُنتُ جائعًا فلم تُطعِموني وعَطِشًا فلم تَسقُوني، 43 وغَريبًا فلم تُؤوُوني، وعارِيًا فلم تَكسُوني، ومَريضًا وسَجينًا فلم تَزوروني”. 44 فيَرُدُّ هؤلاء قائلينَ: “وكَيفَ ذاكَ يا مَولانا؟ مَتى رأيناكَ جائعًا، عَطِشًا، غَريبًا، عاريًا، مَريضًا، سَجينًا ولم نُسعِفكَ؟” 45 فيُجيبُهُم قائلاً: “الحقَّ أقولُ لكُم: بما أنّكُم لم تَفعَلوا ذلِكَ مَعَ أتباعي، حتّى مَن كانَ مِنهُم مُحتَقَرًا، فكأنّما لم تَفعَلوهُ مَعي!”
46 وأضافَ السَّيِّدُ المَسيحُ قائلاً: “وسيَكونُ مَصيرُ هؤلاءِ العُصاةِ العِقابُ الأبَديّ، أمّا التُّقاةُ فسيَنَعمونَ في دارِ الخُلدِ”.

*الفصل الخامس والعشرون:12 بما أنّ الفتايات قد استخففن بأهمية هذه المناسبة وبمكانة العريس، فلم يحضرن الزفة كاملة، من غناء ورقص، لذلك منعن من دخول دار العرس على مدى أيام الاحتفال.

الفصل الخامس والعشرون:25 لم يكترث الخادم الثالث بمصير الأمانة التي تركها له سيده. فلو كان حريصا على قيمة هذا المال، لوضعه في أمان عند الصيارفة، ولكن يبدو أنه لم يحسن تدبير الأمانة مثل الآخرين.

الفصل الخامس والعشرون:27 كان اليهود يعتبرون أن التعامل بالربا فيما بينهم ممنوع، لكنه يجوز مع غيرهم.

§الفصل الخامس والعشرون:29 يشير هذا المثل إلى ضرورة حسن التصرف في ممتلكاتنا بما يرضي الله، لأنّ الله سيحاسبنا على ذلك.

*الفصل الخامس والعشرون:41 تقول بعض تعاليم اليهود أن الله خلق الشيطان ليُطرح في جهنم، لكنه لم يخلق البشر ليدخلوا جهنم. كما أن كثيرا من اليهود كانوا يعتقدون أن الشياطين هم في الأصل ملائكة عصوا الله.