الفصل الثّامن
المسيح يُطعم أربعة آلاف شخص
وفي تِلكَ الفَترةِ تَجَمَّعَ مَرّةً أُخرى حَولَ سَيِّدِنا عِيسَى (سلامُهُ علينا) حَشدٌ كَبيرٌ، وما مِن شَيءٍ لديهِ ليَأكُلوهُ، فدَعا أتباعَهُ قائلاً: إنّي مُشفِقٌ على هذِهِ الجُموعِ الّتي تُلازِمُني مُنذُ ثلاثةِ أيّامٍ دُونَ طَعامٍ. وأخشَى إن طَلَبتُ مِنهُمُ العَودةُ إلى بُيوتِهِم وهُم جائِعونَ، أن تَخورَ قُواهُم في الطَّريقِ، خاصّةً أنّ بَعضَهُم جاؤوا مِن بَعيد!” فتَعَجَّبَ أتباعُهُ قائِلينَ: “كَيفَ لنا أن نُشبِعَ هؤلاءِ ونحنُ لا نَملِكُ في هذا القَفرِ من الخُبزِ ما يَكفي؟!” وسألَهُم عِيسَى (سلامُهُ علينا) عن كِميّةِ الخُبزِ الّتي لدَيهِم وعَرَفَ أنّهُم لا يَملِكونَ سِوى سَبعةِ أرغِفةٍ. فسَألَ النّاسَ الجُلوسَ، وأخَذَ الأرغِفةَ وحَمِدَ الله وشَكَرَهُ على نَعمائِهِ، وقَسَّمَها وأعطاها أتباعَهُ لتَوزيعِها. وكانَ مَعَ أتباعِهِ شَيءٌ مِنَ السَّمَكِ الصَّغير، فشَكَرَ اللهَ على نَعمائِهِ الّتي مَنَّ بها عَليهِم، ثُمّ طَلَبَ مِن أتباعِهِ تَوزيعَهُ أيضًا. فأكَلَ الجَميعُ حتّى شَبِعوا ثُمّ جَمَعَ أتباعُهُ سَبعةَ سِلالٍ مَملوءةٍ مِن كِسَرِ الخُبز، رَغمَ أنّ عَدَدَ الحُشودِ كانَ يُقارِبُ الأربعَة آلافِ شَخصٍ. وهكذا بَعدَ أنِ اطمَأنّ عِيسَى (سلامُهُ علينا) على حالِ النّاس صَرَفَهُم 10 ورَكِبَ مَعَ أتباعِهِ القارِبَ مُيمِّمينَ شَطرَ مِنطقةِ دَلْمانوثة.
المتشدّدون يطلبون آية من السيّد المسيح
11 ووَفَدَت عليهِ طائفةٌ مِنَ المُتَشَدِّدينَ وقد سَمِعوا بِقدُومِهِ مَعَ أتباعِهِ، فأخَذوا يُجادلونَهُ طالِبينَ آيةً مِنَ السَّماءِ* رغم أنّ عيسى (سلامُهُ علينا) أجرى أمامهم معجزات كثيرة، إلاَّ أنّهم استمرّوا مُصرّين عليه في طلب آية من السّماء على غرار آية النبي موسى (المَنّ من السماء) والنبي إلياس (النار من السماء) لأنّ تلك بعض علامات المسيحِ المنتظر طِبقا لتقليد اليهود. تُقنِعُهم بأنّهُ المَسيحُ المُنتَظَرُ. 12 فزَفَرَ سيّدُنا عِيسَى (سلامُهُ علينا) مِن صَميمِهِ وقالَ: “ما لهذِهِ الطَّائفةِ تُصِرُّ على إظهارِ مُعجِزةٍ؟ الحَقَّ أقولُ لكُم: إنّ اللهَ لن يُظهِر لكُم الآيةَ الّتي تُصِرّونَ عليها!” 13 وترَكَهُم وراءَهُ ورَكِبَ وأتباعَهُ القارِبَ إلى الطَّرَفِ الآخَرِ مِنَ البُحَيرةِ.
خمير المتشدّدين وخمير ابن هيرودس
14 وأثناءَ عَودةِ سَيِّدِنا عِيسَى (سلامُهُ علينا) وأتباعِهِ، وقَبلَ وُصولِهِم إلى الشّاطئِ تَذَكَّروا أنّهُم لا يَملِكونَ مِنَ الزّادِ سِوى رَغيفٍ واحِدٍ. 15 فالتَفَتَ إليهِم قائلاً: “إيّاكُم وخَمير المُتَشدِّدينَ وابنِ هيرودُس!” 16 ولكِنّهُم لم يَتَبَيَّنوا مَغزَى قولِهِ فتَساءَلوا: “ألأنّنا لم نُحضِرْ مِنَ الزّادِ سِوى ذلِكَ الرَّغيفِ؟!” 17 فعَلِمَ عِيسَى (سلامُهُ علينا) بما يَقولونَ فالتَفَتَ إليهِم قائلاً: “أما فَهمتُم مَغزَى مَقالتي تِلكَ؟ كَيفَ تَظُنّونَ أنّي أُشيرُ إلى عَدَمِ وجُودِ الخُبزِ؟ 18 هل لكُم عُيونٌ لا تُبصِرونَ بها، وهل لدَيكُم آذانٌ لا تَسمَعونَ بها؟! فكَيفَ لا تَتَذكَّرونَ؟! 19 ألم يَكُنْ طَعامُ خَمسة آلافِ فَردٍ خَمسةَ أرغِفة عِندَما قَسَّمتُها بَينَكُم؟ وكَم تَبَقّى مِن أرغفتِهِم تِلكَ؟” قالوا: “اثنتا عَشَرَةَ سَلَّةً”. 20 قال: “ألم يَكُن طَعامُ أربعةِ آلافِ فَردٍ سَبعةَ أرغِفةٍ عِندَما قَسَّمتُها بَينَكُم؟ فكَم رَفَعتُم مِمّا تَبَقّى مِنها؟” قالوا: “سَبعةَ سِلالٍ” 21 فقالَ: “أفلا تُبصِرونَ بَعدُ؟”
شفاء أعمى في قرية بيت صيدا
22 وعِندَما وَصَلَ سَيِّدُنا عِيسَى (سلامُهُ علينا) وأتباعُهُ إلى قَرية بَيتِ صَيدا، جاءَ بَعضُهُم إليهِ بأعمى وتَوَسَّلوا إليهِ أن يَلمِسَهُ، 23 فأخَذَ بيَدِ الأعمى واقتادَهُ خارِجَ القَريةِ، وهُناكَ تَفِلَ في عَينَيهِ ووَضَعَ عليهِما يَديهِ ثُمّ استَفسَرَهُ قائلاً: “هل تُبصِرُ شَيئًا؟” 24 فاتَّجَهَ بنَظَرِهِ إليهِ قائلاً: “أكادُ أرى خَيالاتٍ لأجسادٍ بَشَريّةٍ وكأنّها أشجارٌ تَمشي”. 25 فوَضَعَ سَيِّدُنا عِيسَى (سلامُهُ علينا) يَدَيهِ على عَينَيْ الرَّجُلِ مَرّةً أُخرى، وكَشَفَ عَن بَصَرِ الرَّجُل فأصبَحَ يَرى الأشياءَ بوُضوحٍ. 26 وطَلَبَ مِنهُ عِيسَى (سلامُهُ علينا) التَّوَجُّهَ إلى بَيتِهِ قائلاً: “لا تَدخُلْ هذِهِ القَريَةَ، ولا تُخبِرْ أحَدًا مِن أهلِها بِما جَرَى لكَ”. قد يكون سببُ منعه (سلامُهُ علينا) الرجلَ من العودة إلى القرية التي كان فيها، مخافتَه أن يعود الرجل إلى التسوّل كما كان شأنه قبل أن يبصر. لذلك جاء في بعض التفاسير أن الرجل كان متسوّلاً.
بطرس يقِرّ بحقيقة المسيح
27 ثُمَّ تَوَجَّهَ سَيِّدُنا عِيسَى وأتباعُهُ إلى قُرى قَيصريّة فيليبَ، هذه المنطقة هي منطقة بلدة بانياس اليوم (وهي غير بنياس الساحل)، وهي تقع في سفح جبل الشيخ قرب بحيرة طبريّا. وأثناءَ سَيرِهِم سألَ أتباعَهُ: “مَن أنا في رأي النّاسِ؟ وماذا يَقولونَ عنّي؟!” 28 فأجابوهُ: “يَقولُ بَعضُهُم أنتَ النّبيُّ يَحيى، ويَقولُ آخرونَ: أنتَ النَّبيُّ إلياسُ وقد رَجَعَ مِن غَيبَتِهِ. ويَقولُ غَيرُهُم إنّكَ أحَدُ الأنبياءِ”. 29 ثُمَّ سألَهُم ثانيةً: “وأنتُم! مَن تَحسبُونَني؟!” فانبَرى بُطرُسُ الصَّخرُ قائلاً: “إنّكَ المَسيحُ صَفيُّ اللهِ المُنتَظَرُ”. 30 عِندئذٍ أمَرَهُم بكِتمانِ الأمرِ.
المسيح ينبئ أوّل مرّة بخبر موته وقيامته
31 وأخَذَ سَيِّدُنا عِيسَى يُخبِرُ أتباعَهُ بأنّهُ سيَتَعرَّضُ للآلامٍ، وأنّ قادةَ الشَّعبِ وكِبارَ رِجالِ الدِّينِ وعُلماءَ التَّوراةِ سيَرفُضونَهُ، وأنّهُ سيُقتَلُ ولكنّهُ سيَقومُ بَعدَ ثلاثَة أيّامٍ حَيًّا. 32 وكانَ يُحَدِّثُ أتباعَهُ بذلِكَ عَلانِيَةً. إلاّ أنّ بُطرُسَ حَدَّثَهُ على انفِرادٍ وعاتبَهُ مُستَنكِرًا الإخبارَ بمَوتِهِ.§ كان بطرس يرى أن مكانة المسيح (سلامُهُ علينا) أرفع من أن ينال منها مثل تلك الأخبار. 33 فالتَفَتَ سَيِّدُنا عِيسَى (سلامُهُ علينا) ورَأى أتباعَهُ مُلتَفِّينَ حَولَهُ، فوَبَّخَ بُطرُسَ ونَهَرَهُ قائلاً: “إليكَ عنّي يا شَيطانُ،* كان بطرس، بعتابه رسول الله عيسى (سلامُهُ علينا)، يعارض ما كتبه الله على نبيه، ولذلك كان تصرّفه تصرّفَ شيطان. إنّ في قَلبِكَ حِرصًا كحِرصِ النّاسِ وبُعدًا عَن فَهْمِ مَقاصِدِ اللهِ!” 34 ثُمّ دَعا إليهِ النّاسَ وأتباعَهُ وقالَ: “مَن أرادَ أن يَتبَعَني فعليهِ أوّلاً أن يُنكِرَ ذاتَهُ، ويُهيّئ نَفسَهُ للتَّعذيبِ صَلبًا والمَوتِ في سَبيلي، ثُمّ يَتبَعُني. 35 أمّا مَن يُريدونَ الحِفاظَ على حَياتِهِم الدُّنيا فأولئِكَ هُمُ الخاسِرونَ، ومَن يُضَحّونَ بها في سَبيلي وفي سَبيلِ رِسالتي فأولئِكَ هُمُ الفائِزونَ. 36 فماذا يَنفَعُ الإنسانَ لو رَبِحَ العالمَ كُلَّهُ، وخَسِرَ نَفسَهُ؟ 37 ما مِن شَيء في هذِهِ الدُّنيا يَستَطيعُ الإنسانُ أن يَفدِيَ بِهِ نَفسَهُ! 38 ومَن خَجِلَ بي وبِدَعوتي بَينَ أفرادِ هذا الشَّعبِ الضّالِّ، مُنكِرًا أنّهُ مِن أتباعي، فإنّ سَيِّدَ البَشَرِ لن يَكونَ نَصيرًا لهُ عِندَما يأتي إلى العالَمِ في جَلالِ اللهِ أبيهِ الصَّمَدِ مَرفوقًا بالمَلائكَةِ الأطهارِ!”

*الفصل الثّامن:11 رغم أنّ عيسى (سلامُهُ علينا) أجرى أمامهم معجزات كثيرة، إلاَّ أنّهم استمرّوا مُصرّين عليه في طلب آية من السّماء على غرار آية النبي موسى (المَنّ من السماء) والنبي إلياس (النار من السماء) لأنّ تلك بعض علامات المسيحِ المنتظر طِبقا لتقليد اليهود.

الفصل الثّامن:26 قد يكون سببُ منعه (سلامُهُ علينا) الرجلَ من العودة إلى القرية التي كان فيها، مخافتَه أن يعود الرجل إلى التسوّل كما كان شأنه قبل أن يبصر. لذلك جاء في بعض التفاسير أن الرجل كان متسوّلاً.

الفصل الثّامن:27 هذه المنطقة هي منطقة بلدة بانياس اليوم (وهي غير بنياس الساحل)، وهي تقع في سفح جبل الشيخ قرب بحيرة طبريّا.

§الفصل الثّامن:32 كان بطرس يرى أن مكانة المسيح (سلامُهُ علينا) أرفع من أن ينال منها مثل تلك الأخبار.

*الفصل الثّامن:33 كان بطرس، بعتابه رسول الله عيسى (سلامُهُ علينا)، يعارض ما كتبه الله على نبيه، ولذلك كان تصرّفه تصرّفَ شيطان.