الفصل السّابع
إخوة عيسى (سلامُهُ علينا) وعدم إيمانهم به
وأخَذَ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) بَعدَ ذلِكَ يَتَنَقّلُ في مِنطقةِ الجَليل، مُتَجَنِّبًا مِنطقةَ يَهوذا الّتي كانَ قادَتُها يُدبِّرُونَ قَتلَهُ. وعِندَ اقتِرابِ عِيدِ الخِيامِ اليَهوديّ، 3‏-5 قالَ لهُ إخوتُهُ الَّذينَ لم يُؤمنوا بِهِ بَعدَ: “غادِر هذا المَكانَ وتَوَجَّهْ إلى يَهوذا حَيثُ يُمكِنُ لأَتباعِكَ رؤيةُ مُعجِزاتِكَ، فمَن يُريدُ الشُّهرةَ لا يُخفي ما يَقومُ بِهِ مِن أعمالٍ. وما دامَت لكَ مُعجِزاتٌ، فما عليكَ إلاّ أن تُظهِرَ نَفسَكَ للعالَم!”
6‏-8 إلاّ أنّهُ (سلامُهُ علينا) أجابَهُم قائلاً: “لم يَحِن وَقتُ إظهارِ حَقيقتي بَعدُ، أمّا أنتُم فلا ضَيْرَ إذا تَوَجَّهتُم إلى يَهوذا للاحتِفالِ بالعِيدِ في أيِّ وَقتٍ شِئتُم.* أراد هؤلاء الاحتفالَ بالعيد في القدس دون غيرها من المدن لأنّ هذا فرضٌ كما جاء في التوراة، وكان على الرجال أن يقدّموا أضحية في حرم بيت الله (انظر سفر التثنية 16: 13‏-17). إنّ أهلَ الدُّنيا لا يَبغُضونَكُم بل إيّاي يَبغُضونَ لأنّني أواجِهُهُم بكُلِّ ما يَرتكِبونَ من آثامٍ. اِذهَبوا لحُضورِ العِيدِ، فأنا لَستُ بذاهبٍ الآن، لأنَّ وَقتَ ظُهورِ حَقيقتي لم يَحِن بَعدُ”. قالَ ذلِكَ ومَكَثَ مُنتَظِرًا في الجَليلِ.
ما حدث في عيد الخيام
10 وبَعدَ انصِرافِ الإخوةِ، تَوَجَّهَ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) سِرًّا إلى القُدسِ. 11 وهُناكَ كانَ قادةُ اليَهودِ دائبي البَحثِ عَنهُ خِلالَ فَترةِ العِيدِ مُرَدِّدينَ: “أينَ ذاكَ الرَّجُل؟! أينَ هو؟!” 12 وكانَ النّاسُ يَتَجادَلونَ بشأنِهِ فيما بَينَهُم، فقالَ بَعضُهُم: “إنّهُ لرَجُلٌ صالِحٌ”. وقالَ آخَرونَ: “بل هو مُضِلٌّ للنّاسِ”. 13 ولكن لم يَجرؤ أحَدٌ مِنهُم على الحَديثِ عَنهُ عَلَنًا خَوفًا مِن قادتِهِم.
14 وفي مُنتَصَفِ فَترةِ العِيدِ سَعى سَيّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) إلى حَرَمِ بَيتِ اللهِ وقامَ في النّاسِ مُعَلِّمًا. 15 فاندَهَشَ قادةُ اليَهودِ وتَساءَلوا قائلينَ: “كَيفَ يَعرِفُ هذا الرَّجُلُ ما في الكُتُبِ المُقدَّسةِ ولم يَدرُس ما دَرَسناهُ ولا عَلِمَ ما نَعلَمُ؟!” إنّ سبب اندهاش قادة اليهود هنا ليس من جهل عيسى (سلامُهُ علينا) للقراءة والكتابة، إذ كان عامّة اليهود وحتّى الفقراءُ منهم يعرفون قراءة التوراة، والسبب الحقيقي من دهشتهم أنّ سيدَنا عيسى لم يَدرس على يد أحد من فقهائهم، وأنّه لم يعتمد على حُججهم عند محاجّته إيّاهم بعودته إلى التوراة. 16 فأجابَهُم: “ما أُعَلِّمُهُ للنّاسِ لَيسَ مِن تِلقاءِ نَفسي، بل هو مِن اللهِ الّذي أرسَلَني. 17 ومَن يَسعى في رِضوانِ اللهِ يَعلَمُ عِلمَ اليَقينِ إن كُنتُ مُرسَلاً مِن عِندِ اللهِ أم لا، كَما يَعلَمُ إن كانَت تَعاليمي مِنهُ أو مِن ذاتي. 18 إنّ مَن عَلَّمَ مِن عِلْمِهِ الخاصِّ سَعى سَعْيَ المَغرورِ يَطلُبُ الفَخرَ والمَديحَ والمَجدَ لنَفسِهِ. أمّا مَن أعلَنَ عن الّذي أرسَلَهُ وطَلَبَ المَجدَ لهُ فهو الصّادِقُ المُنزَّهُ. 19 ولقد أعطاكُم النَّبيُّ موسى التَّوراةَ فألقيتُموها وَراء ظُهورِكُم وخالَفتُمُوها فلِماذا تَتَّهمونَني بالخُروجِ عَنها وتَسعَونَ إلى قَتلي؟” 20 فأجابَهُ مَن حَولَهُ مُنكِرينَ: “لا أحَدَ يُريدُ قَتلَكَ، وإنّما تَلَبَّسَكَ شَيطانٌ يُوحي إليكَ بُهتانًا وزُورًا!” 21 فأجابَهُم (سلامُهُ علينا): “لقد شَفَيتُ في يَومِ السَّبتِ رَجُلاً مَريضًا فاندَهَشتُم مِن ذلِكَ وانزَعَجتُم. 22 ولقد أمَرَكُم النَّبيُّ موسى بالخِتانِ في اليَومِ الثّامنِ بَعدَ الوِلادةِ، وإنّكُم تَختِنونَ وِلدانَكُم حتّى وإن صادَفَ ذلِكَ يَومَ السَّبت! واعلَموا أنّ هذا لَيسَ حِكرًا على النَّبيِّ مُوسى بل هو مِن زَمَنِ النّبيِّ إبراهيمَ الّذي كانَ قَبلَهُ. 23 فإن كُنتُم تَختِنُونَ يَومَ السَّبت كي لا تُخالِفوا ما شَرَّعَهُ النَّبيُّ موسى لكُم، فلِمَ إذن تَغضَبونَ عليّ وتَثورونَ وقد شَفَيتُ يَومَ السَّبتِ إنسانًا مِن مَرَضِهِ؟ 24 فلا تُلقُوا بأحكامِكُم جُزافًا، ولكنِ احكُموا بالعَدلِ”.
عيسى (سلامُهُ علينا) هو المسيح المنتظر
25 وأخَذَ بَعضُ أهلِ القُدسِ يَقولونَ: “ألَيسَ هذا الّذي يُريدونَ قَتلَهُ؟! 26 ها هو يُعَلِّمُ النّاسَ عَلَنًا ولا أحَدَ يَرُدُّهُ! تُرى، هل اقتَنَعَ قادتُنا أنّهُ المَسيحُ المُنتَظَرُ؟ 27 ولكن كَيفَ يَكونُ هو المُنتَظَرُ، ونحنُ نَعلَمُ مِن أينَ جاءَ، والحالُ أنّ المَسيحَ المُنتَظَرَ، كَما أخبَرونا، لا أحَدَ يَعرِفُ مِن أينَ يأتي”. اعتقد فقهاء اليهود، أنّ شخص المسيح المنتظر سيكون من عامة الشعب، ومع ذلك سيكون غير معروف قطعيًا إلاّ أنّه سيظهر فجأةً ليقوم بتحرير بني يعقوب. وطالما أنّهم يعرفون أصل عيسى (سلامُهُ علينا)، بالإضافة إلى عدم اهتمامه بتحرير بني يعقوب، فقد رفضوا فكرة كونه المسيح المنتظر. 28 ورَفَعَ (سلامُهُ علينا) صَوتَهُ، وهو يُرشِدُ النّاسَ في الحَرَمِ الشَّريفِ، ويُجيبُ عن حَيرتِهِم: “أتَعرِفونَ مَن أنا حَقًّا ومِن أينَ أتيتُ؟ أنا لم آتِ إليكُم بمَحضِ إرادتي، بل إنّي طَوعُ إرادةِ مَن أرسَلَني، أمّا أنتُم فتَجهَلونَهُ، 29 وأنا أعرِفُهُ لأنّهُ هو الّذي أرسَلَني”. 30 وهُنا حاوَلَ قادةُ اليَهودِ القَبضَ عليهِ، ولكنّهُم لم يَصِلوا إليهِ لأنَّ ساعتَهُ لم تَحِن بَعدُ. 31 وأمّا جَماعةٌ أُخرى مؤمنةٌ بِهِ مِن تِلكَ الحُشودِ فقالَت: “هل إذا جاءَ المَسيحُ، ستَكونُ آياتُهُ ومُعجِزاتُهُ أعظَمَ مِمّا أتى بِهِ هذا الرَّجُلُ المُبارَك؟!”
32 وسَمِعَ المُتشدِّدونَ ما يَتَجادلُ فيهِ النّاسُ، فأرسَلوا، مَعَ كِبارِ الأحبارِ، حُرّاسًا إلى حَرَمِ بَيتِ اللهِ للقَبضِ عليهِ. 33 فقالَ لهُم عيسى (سلامُهُ علينا): “ما مَقامي بَينَكُم إلاّ لوَقتٍ قَصيرٍ، وسأعودُ بَعدَهُ إلى الّذي أرسَلَني. 34 حينئذٍ ستَبحَثونَ عنِّي فلا تَجِدونَني، ولا تَستَطيعونَ الذَّهابَ إلى حَيثُ أكونُ”. 35‏-36 فأخَذَ النّاسُ مِن حَولِهِ يَتَساءَلونَ: “تُرى أينَ سيَذهَبُ فلا نَجِدُهُ؟! أتُراهُ يَنوي مُغادَرةَ فِلَسطين إلى شِعابِنا المُشتَّتَةِ في المَهجَرِ؟ وهل سيُعَلِّمُ الأغرابَ هُناكَ؟ وماذا يَعني بقولِهِ: ستَبحَثونَ عنِّي فلن تَجِدوني، ولن تَقدِرُوا على الذَّهابِ إلى حَيثُ أكونُ؟!”
الماء الّذي يهب الحياة
37 وفي آخِرِ أيّامِ العِيدِ، وهو أعظَمُها،§ في عيد الخيام وخلال أيّامه السبعة، كان جمع من الأحبار يملؤون إناء ذهبيا من ماء بركة سلوام، ثمّ يَقفلون عائدين إلى حرم بيت الله، يتقدّمهم كبير الأحبار. وقد كانوا يَسكبون الماء في الحرم الشريف تقدمة لله، وذلك إحياءً لذكرى إمداد الله أسلافَهم في صحراء سيناء بالماء في عهد النبي موسى (عليه السّلام). كما كان بنو يعقوب يربطون بين ممارسة هذه العادة، وسكب الله روحه كالماء في آخر أيّام هذه الدنيا قبل قيام الساعة. وَقَفَ سَيّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) وصَدَعَ بصَوتٍ مُرتَفِعٍ: “إذا عَطِشَ أحَدٌ فليأتِ إليّ لِيَرتَوِي! 38 نَعم، ليأتِ ويَشرَبْ كُلُّ مَن آمَنَ بي، كَما جاءَ في الكِتابِ: مَن آمَنَ بِي ستَفيضُ مِن داخِلِهِ أنهارُ الحَياةِ”. 39 وقد قَصَدَ بذلِكَ رُوحَ اللهِ الَّتي ستَحِلُّ في المُؤمِنينَ، ولم تَكُن قد حَلَّت رُوحُ اللهِ في داخلِ أحَدٍ بَعدُ، لأنّهُ (سلامُهُ علينا) لم يَكُن قد رُفِعَ إلى ذلِكَ المَقامِ المَهيبِ. 40 وعِندَما سَمِعوا كَلامَهُ هذا، تَعالَت أصواتُ بَعضِ النّاسِ قائلينَ: “حقًّا إنّهُ النَّبيُّ المَوعُودُ الّذي أخبَرَتْنا التّوراةُ بمَجِيئِهِ”. 41 وقالَ آخَرونَ: “هو ذاكَ المَسيحُ المُنتَظَرُ”. أمّا غَيرُهُم، فكانوا مُتَرَدِّدينَ إذ قالوا: “لَيسَ هو المَسيحَ المُنتَظَرَ، لأنَّ المَسيحَ لن يَأتيَ مِن مِنطقةِ الجَليلِ! 42 وقد ذَكَرَ الزَّبورُ وغَيرُهُ مِن كُتُبِ الأنبياءِ أنّ المَسيحَ مِن ذُريّةِ النَّبيِّ داود، ومِن قَريةِ بَيتِ لَحَم، مَسقطِ رأسِ النَّبيِّ داود”. 43 وانقَسَمَ النّاسُ في شأنِهِ (سلامُهُ علينا). 44 وأرادَ بَعضُهُم القَبضَ عليهِ إلاّ أنّ أحَدًا لم يَستَطِعِ الإِمساكَ بِهِ.
45 وعادَ حُرّاسُ بَيتِ اللهِ، فسألَهُم كِبارُ الأَحبارِ والمُتَشَدِّدونَ: “لِماذا لَم تُحضِرُوهُ؟” 46 فأجابوا: “لم نَرَ أحَدًا تَكَلَّمَ بِمِثلِ ما يَتَكلّمُ بِهِ هذا الرَّجُلُ أبدًا!” 47 فقالَ لهُمُ المُتَشَدِّدونَ: “أضَلَلتُم أنتُم أيضًا؟ 48 وهل رَأيتُم أحَدًا مِن قادتِنا أو مِن المُتَشَدِّدينَ آمَنَ بِهِ؟ 49 أمّا العامّةُ الجَهَلَةُ، الّذينَ لا يَعرِفونَ شَيئًا مِن الشَّريعةِ، فعليهِم اللَّعنة!” 50 إلاّ أنّ نِقوديموسَ الّذي كانَ واحدًا مِن القادةِ، وهو الّذي التَقَى ذاتَ مَرّةٍ عيسى (سلامُهُ علينا)، قالَ لهُم: 51 “هل تَقضي شَريعَتُنا بالحُكمِ على أحَدٍ دونَ إعطائِهِ فُرصةً للكَلامِ لمَعرفةِ ما قالَ وما فَعَلَ؟” 52 فأجابوهُ: “وهل أنتَ مِن الجَليلِ أيضًا؟ فابحَث في الكُتُبِ السَّماويّةِ لتَعلَمَ أنّهُ لا نَبيَّ يأتي مِن الجَليلِ أبَدًا!”* كشف المتشدّدون هنا أنّهم ضدّ أهل الجليل إذ كانوا يعتبرونهم خليطًا من رعاع الناس على الرغم من أنّ عددًا من الأنبياء الأوّلين انحدروا من عدة قبائل من بني يعقوب كانت تقيم في منطقة الجليل. 53 وهُنا انصَرَفَ الجَميعُ، كُلٌّ إلى وَجهَتِهِ.

*الفصل السّابع:6‏-8 أراد هؤلاء الاحتفالَ بالعيد في القدس دون غيرها من المدن لأنّ هذا فرضٌ كما جاء في التوراة، وكان على الرجال أن يقدّموا أضحية في حرم بيت الله (انظر سفر التثنية 16: 13‏-17).

الفصل السّابع:15 إنّ سبب اندهاش قادة اليهود هنا ليس من جهل عيسى (سلامُهُ علينا) للقراءة والكتابة، إذ كان عامّة اليهود وحتّى الفقراءُ منهم يعرفون قراءة التوراة، والسبب الحقيقي من دهشتهم أنّ سيدَنا عيسى لم يَدرس على يد أحد من فقهائهم، وأنّه لم يعتمد على حُججهم عند محاجّته إيّاهم بعودته إلى التوراة.

الفصل السّابع:27 اعتقد فقهاء اليهود، أنّ شخص المسيح المنتظر سيكون من عامة الشعب، ومع ذلك سيكون غير معروف قطعيًا إلاّ أنّه سيظهر فجأةً ليقوم بتحرير بني يعقوب. وطالما أنّهم يعرفون أصل عيسى (سلامُهُ علينا)، بالإضافة إلى عدم اهتمامه بتحرير بني يعقوب، فقد رفضوا فكرة كونه المسيح المنتظر.

§الفصل السّابع:37 في عيد الخيام وخلال أيّامه السبعة، كان جمع من الأحبار يملؤون إناء ذهبيا من ماء بركة سلوام، ثمّ يَقفلون عائدين إلى حرم بيت الله، يتقدّمهم كبير الأحبار. وقد كانوا يَسكبون الماء في الحرم الشريف تقدمة لله، وذلك إحياءً لذكرى إمداد الله أسلافَهم في صحراء سيناء بالماء في عهد النبي موسى (عليه السّلام). كما كان بنو يعقوب يربطون بين ممارسة هذه العادة، وسكب الله روحه كالماء في آخر أيّام هذه الدنيا قبل قيام الساعة.

*الفصل السّابع:52 كشف المتشدّدون هنا أنّهم ضدّ أهل الجليل إذ كانوا يعتبرونهم خليطًا من رعاع الناس على الرغم من أنّ عددًا من الأنبياء الأوّلين انحدروا من عدة قبائل من بني يعقوب كانت تقيم في منطقة الجليل.