الفصل التّاسع
عيسى (سلامُهُ علينا) يشفي الأعمى
وبَينَما كانَ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) يَمشي في طَريقِهِ، رأى رَجُلاً أصابَهُ العَمى مُنذُ وِلادتِهِ. فسألَهُ أتباعُهُ: “أيُّها المُعَلِّمُ، لقد وُلِدَ هذا الرَّجُلُ أعمى فهل مَرَدُّ ذلِكَ خَطيئتُهُ، أم خَطيئةٌ ارتكَبَها والِداهُ؟!”* هذا يعكس المعتقد الذي كان شائعًا آنذاك بأنّ كلّ مرض يصيب الإنسان لا يكون إلاّ بسبب خطيئة ارتكبها ذلك الإنسان. وبناءً على ذلك، فإذا وُلد طفلٌ به عاهةٌ، فمردّ ذلك إلى خطيئة ارتكبهَا أحدُ الوالديْن. حتّى أنّ بعض فقهاء اليهود غالَوْا في هذا المعتقد فادّعوا أنّ الجنين قد يذنب وهو في رحم أمّه. والسيِّدُ المسيح (سلامُهُ علينا) يُنكر هنا ذلك الربط بين إعاقة هذا الرجل وبين آثام معيّنة. غير أنّنا نرى في بعض المواضع من الإنجيل أنّ بعض البلايا تكون نتيجة لارتكاب أصحابها الآثام. فأجابَهُم بقولِهِ: “لا هو أذنَبَ ولا أبَوَاهُ، إنّما وُلِدَ كَفيفًا لتَظهَرَ قُدرةُ اللهِ فيهِ. ما دامَ الوقتُ نَهارًا فلنَعمَلْ، لأنَّهُ لَيسَ باستَطاعتِنا العَمَلُ عِندَما يُقبلُ اللَّيلُ. لذلِكَ، ما دُمتُ أنا بَينَكم، فيَجِبُ علينا كُلِّنا أن نَقومَ بما أمَرَني اللهُ الّذي أرسَلَني. لأنّي أنا نورُ العالَمِ”. ثُمّ عَجَنَ (سلامُهُ علينا) بِرِيقِهِ عَجينةً مِن طينٍ ووَضَعَها على عَينَيِ الأعمى وقالَ لهُ: “امضِ واغتَسِلْ في بِركةِ سِلوانَ”. ومَعناها “مُرسَل”. فاغتَسَلَ الكَفيفُ وأصبَحَ بَصيرًا.
فتَساءَلَ جِيرانُ هذا الرَّجُلِ وكُلُّ مَن عَرَفَهُ شَحّاذًا:‏ ‏“أَلَيسَ هذا هو الرَّجُلُ الّذي كانَ يَجلِسُ يَستجدي المارّة؟” فأجابَ بَعضُ الحُضور:‏ ‏“نعم.‏”‏ وقالَ آخَرونَ:‏ ‏“لا،‏ بَل يُشبِهُهُ.‏”‏ أمّا هو فقالَ بإصرارٍ:‏ ‏“أجل، أنا هو ذاكَ الرَّجُلُ!”‏ 10 فقالوا لَهُ:‏ ‏“فَكَيفَ أصبَحتَ بَصيرًا؟” 11 فأجابَهُم:‏ ‏“إنّ الرَّجُلَ الّذي اسمُهُ عِيسَى،‏ صَنَعَ طينًا ووَضَعَهُ على عَينيَّ وقالَ لي:‏ اِذهَبْ إلى سِلوان واغتَسِلْ.‏ فذَهَبتُ واغتَسَلتُ وأَصبَحتُ بَصيرًا.‏” 12 فقالوا لَهُ:‏ ‏“وأينَ هو الآن؟”‏ فأجابَ:‏ ‏“لا أدري.‏”
استجواب الأعمى الّذي شفاه عيسى (سلامُهُ علينا)
13‏-14 وصادَفَ أن كانَ اليَومُ الّذي مَنّ فيهِ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) على الكَفيفِ بالبَصَرِ، يومَ سَبتٍ. فأُخِذَ الأعمى إلى المُتَشَدِّدينَ، 15 وسأَلوهُ: “كَيفَ أَصبَحتَ مُبصِرًا؟” فأجابَهُم: “وَضَعَ عيسى على عَينيَّ طينًا ثُمَّ أمَرَني أن أغتَسِلَ فأطَعتُهُ وأبصَرتُ”. 16 عِندَئِذٍ غَضِبَ بَعضُ المُتَشَدِّدينَ قائلينَ: “هذا الرَّجُلُ لَيسَ مُرسَلاً مِنَ اللهِ! إنّهُ يَنتَهِكُ حُرمةَ السَّبتِ!” وقالَ آخرُونَ في حَيرةٍ: “كَيفَ يُمكِنُ لرَجُلٍ آثَمٍ أن يُظهِرَ تِلكَ المُعجِزاتِ؟!” ووَقَعَ بَينَهُم خِلافٌ، 17 فعادوا يَسألونَ المُبصِرَ: “وما تَقولُ فيهِ أنتَ وقد جَعَلَكَ مُبصِرًا؟” فأجابَهُم: “إنّهُ لَنَبيٌّ!” 18 فنَهَرَهُ قادةُ اليَهودِ وكَذَّبوهُ، مُرتابينَ أن يَكونَ قد وُلِدَ كَفيفًا ثُمَّ أصبَحَ مُبصِرًا، فاستَدعَوا والِدَيهِ ليَسألُوهُما: 19 “أهذا هو ابنُكُما الّذي تَقولانِ إنّهُ وُلِدَ كَفيفًا؟ وإن كانَ قد وُلِدَ كَفيفًا فكَيفَ يُبصِرُ الآن؟!” 20 فأجابا: “نحنُ نَعلَمُ بأنّهُ ابنُنا وأنّهُ وُلِدَ كَفيفًا، 21 وأمّا كَيفَ أصبَحَ مُبصِرًا ومَنِ الَّذي مَنَحَهُ البَصَرَ، فهذا ما لا نَدريهِ. فلكُم أن تَسألوهُ فهو يَستَطيعُ إجابتَكُم عن سُؤالِكُم هذا، إنّهُ بالِغٌ عاقِلٌ”. 22‏-23 وقد ذَكَرَ الوالِدانِ ذلِكَ خَوفًا مِن قادةِ اليَهودِ الّذينَ أعلَنوا أن يَمنَعوا بَيتَ العِبادةِ عن كُلِّ مَن يَشهَدُ بأنّ عيسى (سلامُهُ علينا) هو المَسيحُ المُخَلِّصُ المُنتَظَرُ. 24 وعادَ المُتشدِّدونَ ليَسألوا الرَّجُلَ الّذي كانَ كَفيفًا قائلينَ: “نَستَحلِفُكَ باللهِ أن تَقولَ الحقَّ! فنحنُ نَعلَمُ أنّ هذا الرَّجُلَ في ضَلالٍ مُبينٍ”. 25 فأجابَهُم: “أضالٌّ هو أم لا، لَستُ أعلَمُ. لكنّني أعلَمُ شَيئًا واحدًا: كُنتُ أعمًى والآن أُبصِرُ!” 26 وعادوا فقالوا: “كَيفَ جَعَلَكَ مِن المُبصِرينَ؟” 27 فقالَ: “لقد أخبَرتُكُم بما فَعَلَ لكنَّكُم لم تُصدِّقوا، فلِمَ أُعيدُ على مَسامِعِكُم ما قُلتُهُ سابقًا، ألَعَلَّكُم في اتّباعِهِ راغِبونَ؟” 28 فاستَشاطوا مِنهُ غَضَبًا وشَتَموهُ قائلينَ: “أنتَ مِن أتباعِهِ، أمّا نحنُ فأتباعُ النَّبيِّ موسى! 29 نَحنُ نَعلَمُ أنَّ اللهَ كَلَّمَ النّبيَّ موسى، أمّا هذا، فلا نَعرِفُ لهُ أصلاً!” 30 فأجابَهُم: “عَجَبًا لكُم! أنتُم لا تَدرونَ شَيئًا عن هذا الشَّخصِ ولا تَعرِفونَ مَن يَكونُ، ولكنّهُ جَعَلَني أُبصرُ، 31 ونحنُ نَعلَمُ أنَّ اللهَ يَستَجيبُ للتُّقاةِ العاملينَ على طاعتِهِ، دونَ الضّالّينَ، 32 ونحنُ لم نَسمَع على مَدى الزّمانِ بمَن استَطاعَ أن يَجعَلَ مَن وُلِدَ أعمًى مُبصِرًا! 33 ولو لم يَكُن هذا الرَّجُلُ مُرسَلاً مِنَ اللهِ، لمَا كانَ باستِطاعتِهِ فِعلُ هذِهِ المُعجِزةِ”. 34 فأجابوهُ: “أنتَ يا مَن تَحمِلُ الآثامَ مُنذُ وِلادتِكَ، كَيفَ تُريدُ إرشادَنا!؟” وطَرَدُوهُ خارِجًا.
عمى البصيرة
35 ووَصَلَ إلى مَسمَعِ سَيِّدِنا عيسى (سلامُهُ علينا) بأنّ الرَّجُلَ قد طُرِدَ، فسَعى إلى لقائِهِ وقالَ لهُ: “أتُؤمِنُ بسَيّدِ البَشَرِ؟” 36 فأجابَهُ الرَّجلُ: “ومَن هو، يا سَيِّدي، حتّى أُؤمِنُ بِهِ؟” 37 فقالَ لهُ (سلامُهُ علينا): “هو مَن تَراهُ أمامَكَ يُكلِّمُكَ”. 38 فأجابَهُ الرَّجُلُ قائلاً: “قد آمَنتُ بكَ يا سَيِّدي!” وانحَنى أمامَهُ. 39 فقالَ (سلامُهُ علينا): “قد جِئتُ إلى هذا العالَمِ ليُبصِرَ أعمَى البَصَرِ، ولأُبيِّنَ للَّذينَ يَزعُمونَ بأنَّهم بأُمورِ اللهِ مُبصِرونَ أنّهُم في عَماهُم مُدلِجونَ”. 40 وسَمِعَهُ بَعضُ المُتشدِّدينَ الحاضِرينَ، فقالوا لهُ مُنكِرينَ: “أتَقصُدُ أنّنا نحنُ أيضًا عُميانٌ وأنّنا عن أُمورِ اللهِ مُبعَدونَ؟” 41 فأجابَهُم: “لو كُنتُم عُميانًا، ما كانَ عليكُم مِن ذَنبٍ، ولكنّكُم تَزعُمونَ أنّكُم مُبصرونَ فأنتُم في مَعاصِيكُم قابِعونَ”.

*الفصل التّاسع:2 هذا يعكس المعتقد الذي كان شائعًا آنذاك بأنّ كلّ مرض يصيب الإنسان لا يكون إلاّ بسبب خطيئة ارتكبها ذلك الإنسان. وبناءً على ذلك، فإذا وُلد طفلٌ به عاهةٌ، فمردّ ذلك إلى خطيئة ارتكبهَا أحدُ الوالديْن. حتّى أنّ بعض فقهاء اليهود غالَوْا في هذا المعتقد فادّعوا أنّ الجنين قد يذنب وهو في رحم أمّه. والسيِّدُ المسيح (سلامُهُ علينا) يُنكر هنا ذلك الربط بين إعاقة هذا الرجل وبين آثام معيّنة. غير أنّنا نرى في بعض المواضع من الإنجيل أنّ بعض البلايا تكون نتيجة لارتكاب أصحابها الآثام.