الفصل السّابع عشر
بعض أقوال عيسى (سلامُهُ علينا)
وقالَ (سلامُهُ علينا) يُخاطِبُ أنصارَهُ: “لا بُدَّ أن يأتيَ مَن يَجعَلُ النّاسَ يَضِلّونَ عن سَواءِ السَّبيلِ، ولكن يا لَهَولِ عَذابِ المُضَلِّلينَ، إنّهُ لَخَيرٌ لأحَدِهِم أن يُرمَى بِهِ في البَحرِ وفي عُنُقِهِ حَجَرُ طاحونٍ، مِن أن يُواجِهَ عاقبِةَ تَضليلِ أحَدِ هؤلاءِ المؤمنينَ المُستَضعَفينَ. فاحذَروا ذلِكَ، أيُّها المؤمنونَ! فإن أساءَ إليكَ أخوكَ المؤمِنُ فعاتِبْهُ، وإن رَجَعَ عن إساءتِهِ فسامِحْهُ، ولئن أساءَ إليكَ سَبعَ مَرّاتٍ في اليَومِ ثُمّ طَلَبَ صَفحَكَ، فاصفَحْ عَنهُ”.
فقالَ الحَواريّونَ للسّيِّدِ المَسيحِ (سلامُهُ علينا): “لَيتَكَ تُقَوّي إيمانَنا”. فأجابَهُم قائلاً: “لو كانَ في قُلوبِكُم مِقدارُ حَبّةٍ مِن خَردَلٍ مِن إيمانٍ، ثُمّ أمَرتُم هذِهِ التّوتةَ أن: “انزَعي جُذورَكِ مِن هذِهِ التُّربةِ وانغَرِسي في البَحرِ” لأطاعَتْكُم دونَ تأخيرٍ.
7‏-8 يا أحبابي: لِنَفرِضْ أنّ لأحَدِكُم عَبدًا قائمًا على حِراثةِ حَقلِهِ، أو على رِعايةِ غَنَمِهِ، فإذا فَرَغَ مِن عَمَلِهِ فلَيسَ لهُ أن يَتجِّهَ إلى راحتِهِ وطعامِهِ بل عليهِ أن يُعِدَّ عَشاءَ سَيِّدِهِ ليُقَدِّمَهُ إليهِ، فإذا فَرَغ مِن ذلِكَ أكَلَ طَعامَهُ واستَراحَ. ولَيسَ مِن الواجِبِ أن يَشكُرَهُ سَيِّدُهُ على ذلِكَ، لأنّ ما قامَ بِهِ العَبدُ مِن عَمَلٍ لَيسَ إلاّ واجبًا مِن واجِباتِهِ الّتي فُرِضَت عليهِ. 10 وكذلِكَ أنتُم فإذا قُمتُم بكُلِّ ما أوصَيتُكُم بِهِ، فقولوا: “إنّما نحنُ عَبيدٌ لَسنَا نَعمَلُ لِنَستَحِقَّ ثَوابًا، لأنّهُ لا شُكرَ على واجِبٍ”.
عيسى (سلامُهُ علينا) يبرئ عشرة مصابين من البرص
11 ومَضى (سلامُهُ علينا) في طَريقِهِ إلى بَيتِ المَقدِس مُجتازًا ما بَينَ السّامرةِ والجَليلِ. 12 ووَصَلَ قَريةً فاستَقبَلَهُ فيها عَشَرةُ مُصابينَ بالبَرَصِ وقد وَقَفوا بَعيدًا عَنهُ بسَبَبِ نَجاسةِ بَرَصِهِم، 13 ولكنّهُم استَغاثوا بِهِ صائحينَ: “يا سَيِّدَنا عيسى، رُحماكَ!” 14 فالتَفَتَ إليهِم (سلامُهُ علينا) فرآهُم وخاطَبَهُم قائلاً: “اِذهَبوا واعرِضُوا أنفُسَكُم على الأحبارِ”.* كان المصابون بالبرص يخضعون في العادة لفحص من قبل رجال الدين لإعطائهم الشهادة بأنّهم قد شفوا، وذلك قبل تمكّنهم من العودة للعيش كأفراد في المجتمع اليهودي. فانطَلَقوا جَميعًا، وشاهَدوا بأعيُنِهِم، وهُم في طَريقِهِم سائرونَ، زَوالَ البَرَصِ عَنهُم.
15 فقَفَلَ أحَدُهُم عائدًا إلى عيسى (سلامُهُ علينا) وقد لَهِجَ لِسانُهُ بتَكبيرِ اللهِ وتَعظيمِهِ، 16 وخَرَّ على وَجهِهِ عِندَ قَدَمَيهِ (سلامُهُ علينا) شاكِرًا، وكانَ سامِريًّا! 17 فقالَ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) للحاضِرينَ: “أينَ بَقيّةُ العَشَرةِ الّذينَ تَمَّ شِفاؤُهُم؟ 18 أمَا كانَ فيهِم مَن يَرجِعُ مُسَبِّحًا للهِ على فَضلِهِ غَيرَ هذا الغَريبِ؟!” 19 ثُمّ قالَ لهُ: “قُم وامضِ في سَبيلِكَ، فإيمانُكَ بي قد نَجَّاكَ”.
ظهور مملكة الله
20 وسألَ المُتَشَدِّدونَ سَيِّدَنا عيسى (سلامُهُ علينا) ذاتَ يومٍ قائلينَ: “مَتى تَظهَرُ المَملَكةُ الرَّبّانيّةُ؟” فأجابَهُم: “لا يَسبِقُ ظُهورَ مَملَكةِ اللهِ دلائلُ مَنظورةٌ، 21 تُمَكِّنُ مِن القَولِ إنّها هُنا أو هُناكَ، فالمَملَكةُ الرَّبّانيّةُ حاضِرةٌ أمامَكُم الآنَ!”
22 ثُمّ التَفَتَ (سلامُهُ علينا) إلى أتباعِهِ وقالَ: “سيَأتيكُم زَمَنٌ تَشتاقونَ فيهِ إلى رُؤيةِ مَجيءِ سَيِّدِ البَشَرِ وحُكمِهِ المَجيدِ، ولكنْ لم يَحِن هذا الوقتُ بَعدُ. 23 وسيَفتَري بَعضُ النّاسِ على اللهِ كَذِبًا فيَقولونَ: “إنّ المُخَلِّصَ البَشيرَ هُنا!” أو “إنّهُ هُناكَ!” ولكنّي أُحَذِّرُكُم أن يُضِلَّكُم هؤلاءِ عن سَواءِ السَّبيلِ، فلا تَتبَعوهُم، 24 لأنّكُم ستَعرِفونَ مَجيئَهُ دونَ رَيبٍ، وسيَكونُ حُضورُهُ واضِحًا كالبَرقِ الّذي يُضيءُ نورُهُ أرجاءَ السَّماءِ كُلِّها، 25 ولكن على سَيِّدِ البَشَرِ قَبلَ ذلِكَ أن يُقاسيَ آلامًا عَظيمةً وأن يُعانيَ رَفضَ هذا الشَّعبِ. 26 وكَما كانَ النّاسُ في عَهدِ النَّبيِّ نوحٍ، يَكونُ حالُهُم في العالَمِ عِندَ مَجيءِ سَيّدِ البَشَرِ. 27 لقد كانَ هؤلاءِ في عَهدِ نُوحٍ ماضينَ في حياتِهِم الدُّنيا مُستَغرِقينَ في مُتَعِها مِن أكلٍ وشُربٍ وتَزاوُجٍ، حتّى صَعِدَ نوحٌ إلى السَّفينةِ، وأخَذَهُم الطّوفانُ جَميعًا. 28 وسيَكونُ النّاسُ في زَمَنِ مَجيءِ سَيّدِ البَشَرِ كذلِكَ، كَما كانوا في عَهدِ النَّبيِّ لُوطٍ مُستَغرِقينَ في مُتَعِهِم الدُّنيويّةِ مِن أكلٍ وشُربٍ وبَيعٍ وشِراءٍ وزَرعٍ وبِناءٍ، 29 حتّى جاءَهُم اليَومُ الّذي فيهِ غادَرَ لوطٌ مَدينَتَهُم سَدومَ، فأخَذَهُم العَذابُ بَغتةً وأمطَرَت السَّماءُ عليهِم نارًا وحِجارةً مُشتَعِلةً فأهلَكَتهُم جَميعًا. 30 كذلِكَ يَكونُ حالُ النّاسِ يومَ يَظهَرُ سَيِّدُ البَشَر! 31 وأقولُ لكُم: في ذلِكَ اليَومِ لا يَهتَمَنَّ أحَدُكُم بمَتاعِ الحَياةِ الدُّنيا، فإن كانَ أحَدُكُم حينئذٍ على سَطحِ بَيتِهِ، فلا يَنزِلَنَّ لأخذِ مَتاعِهِ، ومَن كانَ في الحَقلِ، لا يَرجِعَنَّ إلى بَيتِهِ لأخذِ أيِّ شَيءٍ مِنهُ. 32 وتَذَكِّروا امرأةَ لوطٍ وعِصيانَها وعاقِبتَها! أمَرَ الملاكان لوطا (عليه السلام) وعائلته بالفرار من مدينة سدوم دون النظر وراءهم لمشاهدة خرابها. ولكنّ امرأة لوط سيطر عليها فضولُها فنظرت خلفها، فاستحالت عمودا من الملح. 33 لذلِكَ مَن أرادَ مِنكُم الحِفاظَ على حياتِهِ في الدُّنيا فسيَخسَرُها، إلا أنّ مَن يَخسَرُ حياتَهُ مِن أجلي، فقد حَفِظَها. 34 وأقولُ لكُم إنّهُ يومَ يأتي سَيِّدُ البَشَرِ، سيَكونُ شَخصانِ نائمَينِ على سَريرٍ واحدٍ فيأخُذُ اللهُ أحَدَهُما للعِقابِ، ويَترُكُ الآخَرَ نائمًا. 35 وستَكونُ امرأتانِ مُجتمعتَينِ على طاحونِ قَمحٍ، فيأخُذُ اللهُ واحِدةً مِنهُما للعِقابِ، تارِكًا الأُخرى لشأنِها”. 36 وسيَكونُ الفلاّحانِ في الحَقلِ عاملَينِ فيأخُذُ اللهُ أحَدَهُما، ويَترُكُ الآخَر. 37 فقالَ أتباعُهُ مُتَسائلينَ: “يا مَولانا، أينَ مَكانُ العِقابِ هذا؟” فأجابَهُم (سلامُهُ علينا): “ستَعرِفونَ هذا المَكانَ كَما تُعرَفُ مَطارِحَ الجُثَثِ مِن تَجَمُّعِ النُّسورِ”.

*الفصل السّابع عشر:14 كان المصابون بالبرص يخضعون في العادة لفحص من قبل رجال الدين لإعطائهم الشهادة بأنّهم قد شفوا، وذلك قبل تمكّنهم من العودة للعيش كأفراد في المجتمع اليهودي.

الفصل السّابع عشر:32 أمَرَ الملاكان لوطا (عليه السلام) وعائلته بالفرار من مدينة سدوم دون النظر وراءهم لمشاهدة خرابها. ولكنّ امرأة لوط سيطر عليها فضولُها فنظرت خلفها، فاستحالت عمودا من الملح.