الفصل الرّابع عشر
سيّدنا المسيح وآلاف من المنذورين
ثُمّ رأيتُ سَيِّدَنا المَسيحَ، الذِّبحَ العَظيمَ، يَقِفُ في مَدينةِ القُدسِ على جَبَلِ تِصْيَوْنَ،* في زمن الأنبياء القدامى سُمّي جبل باسم تصيون (أو صهيون)، ولكن مع مرور الزمن بُنِيَتْ فوقه مدينة القدس وأصبح اسم تصيون يُطلق على المدينة أيضا. وقد ورد في هذه الآية وفي رسالة العبرانيين (12: 22 – 24) اسم تصيون ليدّل على المدينة السماوية الخالدة التي أعدّها الله للصالحين من عباده. وكانَ يُرافِقُهُ مِئةُ وأربَعةُ وأربَعونَ ألفَ رَجُلٍ، وقد كُتِبَ على جِباهِهمُ اسمُهُ واسمُ اللهِ أبيهِ الصَّمَدِ. وسَمِعتُ صَوتًا مِن السَّماءِ يُشبِهُ هَديرَ الماءِ الغَزيرِ، ودَوِيّ الرُّعُودِ. وكانَ هذا الصَّوتُ يُشبِهُ صَوتَ المُنشِدينَ وهُم يَضرِبونَ على القِيثاراتِ. وكانوا يُنشِدونَ أُنشُودةً جَديدةً في حَضرةِ عَرشِ اللهِ العَظيمِ، وأمامَ الشُّيوخِ والكائِناتِ الحَيّةِ الأربَعةِ. ولم يَستَطِع أحَدٌ أن يَتَعَلَّمَ هذِهِ الأُنشُودةَ إلاّ الرِّجالُ المِئةُ والأربَعةُ والأربَعونَ ألفًا الّذينَ افتَداهُم سَيِّدُنا عيسى بِحَياتِهِ مِن أهل الدُّنيا. أُولئِكَ الّذينَ امتَنَعوا عنِ النِّساءِ، فلا تُصيبُهُمُ الجَنابةُ بَل حَفِظُوا أنفُسَهُم طاهِرينَ. ربّما فهم القرّاء الأوائل لكتاب الرؤيا الرقم 144000 على أنّه يدلّ على عدد محاربي بني يعقوب في زمن النبي موسى وغيره من الأنبياء القدامى. وكان من عادة هؤلاء المحاربين منعُ أنفسهم عن النساء في الوقت الذي يسبق المعركة (انظر التوراة، سفر التثنية، 23: 10، كتاب صموئيل الأول، 21: 5، وكتاب صموئيل الثاني، 11: 11). فصاروا تابِعينَ لسَيِّدِنا عيسى حَيثُما سارَ، إذ ضَحّى بِحَياتِهِ فِداءً لهُم، وهُم المَنذورونَ للهِ وللمَسيحِ الذِّبحِ العَظيمِ، كَما تُنذرُ باكورةَ الحَصادِ قُربانًا للهِ. إنّهُم لم يَنطِقوا زَورًا، ولا شائبةً تَشوبُهُم أبَدًا.
اعلان خراب مدينة بابل
ثُمّ أبصَرتُ مَلاكًا آخَرَ وَسَط السَّحابِ، يَحمِلُ مَعَهُ بِشـارةً أبَديّةً يُبَشِّـرُ بِهـا النّاسُ مِن كُلِّ أُمّةٍ وقَبيلةٍ ولُغـةٍ وشَـعبٍ في كُلِّ أنحاءِ الأرضِ. وقالَ بِصَـوتٍ عالٍ: “اِتّقُـوا اللهَ وسَبِّحـوهُ، لأنّ ساعةَ الحِسـابِ قد حـانَت. فاسجُدُوا لِخالِقِ السَّـماواتِ والأرضِ والبِحارِ واليَنابِـيعِ واعبُدُوهُ”.
وتَبِعهُ مَلاكٌ ثانٍ يَهتِفُ: “سَقَطَت! سَقَطَت بابِلُ العَظيمةُ! اشتهرت الإمبراطورية البابلية القديمة بثرائها ومجونها. وقد كانت مدينة بابل في منطقة ما بين النهرين، مركزا سياسيا وتجاريا ودينيا. واسم “بابل العظيمة” ورد أيضا في كتاب النبي دانيال (4: 30). ويختلف المفسّرون حول دلالة اسم مدينة بابل في هذا المقطع. فبعض المفسرين فهموا هذا الاسم على أنّه يدلّ على الإمبراطورية الرومانية التي تمرّدت على الله، واضطهدت الذين كانوا يعبدونه تعالى، وفهم آخرون أنّه يدلّ على طغيان المسيح الدجّال على كل الأنظمة السياسية والدينية في العالم. بينما يرى آخرون أنّ اسم مدينة بابل يدلّ على المدينة التاريخيّة الحقيقية التي لا بدّ أن تبنى من جديد وتعود إلى الوجود. إنّها عِندَ اللهِ كعاهِرٍ تَسقي كُلَّ الأُممِ خَمرًا لتَجعَلَهُم مِن الفاسِقينَ، فيَحُلُّ عليها غَضَبُ اللهِ”.
وتَبِعَهُما مَلاكٌ ثالِثٌ يُنادي بِصَـوتٍ عالٍ: “إنّ الّذينَ يَسجُدونَ لوَحشِ البَحرِ ولِتِمثالِهِ ويَقبَلونَ مِنهُ وَضعَ عَلامةٍ على يُمناهُم أو على جِباهِهِم، 10 أُولئكَ سيَسكُبُ اللهُ عليهِم غَضَبَهُ الشَّديدَ فيَتَجَرَّعونَهُ، ويَنالَهُم عَذابُ النّارِ وحِجارةِ الكِبريتِ المُشتَعِلةِ في حَضرةِ المَلائكةِ الأطهارِ وفي حَضرةِ سَيِّدِنا عيسى الذِّبحِ العَظيمِ. 11 وعِندَها سيَتَصـاعَدُ دُخـانُ عَذابِهِم إلى الأبَدِ. فلا يأتي الفَرَجُ لَيلاً ولا نَهارًا لِكُلِّ مَن يَسجُدُ لوَحشِ البَحرِ ولتِمثالِهِ أو يَقبَلُ أن تَضَعَ عليهِ عَلامةَ اسـمِهِ اللَّعينِ. 12 وفي هذِهِ الأحوالِ يَجِبُ على عِبادِ اللهِ الصّالحينَ الّذينَ يَعمَلونَ بِوَصـاياهُ تَعالى أن يَصبِروا في مِحنِهِم وأن يَظَلّوا مُخلِصينَ لسَيِّدِنا عيسى”.
13 ثُمّ خاطَبَني هاتِفٌ آخَرُ مِن السَّـماءِ قائِلاً: “اُكتُب ما سأقولُهُ لكَ: هَـنيئًا مُنذُ الآنَ للّذينَ يَلقَونَ المَوتَ وهُم مُعتَصِمونَ بِحَبلِ سَيِّدِنا المَسيحِ” فيَجيءُ وَحيُ رُوحِ اللهِ: “أجل، هَنيئًا لهُم فقد تَحَمَّلوا كَثيرًا مِن المَتاعِبِ في سَبيلِ إيمانِهِم، وإنّ اللهَ سيُجازيهِم على أعمالِهِـم بِالرّاحةِ في دارِ النّعيمِ”.
جمع الصّالحين
14 ثُمّ رَأيتُ غَمامةً بَيضاءَ يَجلِسُ عليها مَولانا عيسى سَيِّدُ البَشَرِ، وعلى رَأسِهِ إكليلُ النَّصرِ مِن ذَهَبٍ وفي يَدِهِ مِنجَلٌ حادٌّ. 15 ثُمّ خَرَجَ مَلاكٌ مِن بَيتِ اللهِ، ونادى بِصَوتٍ عالٍ إلى الجالِسِ على السَّحابِ: “قالَ تَعالى: ها قد حَلَّت ساعةُ جَمعِ المُحسِنينَ! فخُذ مِنجَلَكَ واحصُدْ، فمَثَلُ الصّالِحينَ عِندَ اللهِ كمَثَلِ الحَصادِ”. 16 فأرسَلَ الجالِسُ على الغَمامِ مِنجَلَهُ على الأرضِ كُلِّها، وجَمَعَ الصّالحينَ جَميعًا.
17 وخَرَجَ مِن بَيتِ اللهِ في السَّماءِ مَلاكٌ آخَرُ يَحمِلُ مِنجَلاً حادًّا. 18 ثُمّ خَرَجَ بَعدَهُ مَلاكٌ آخَرُ مِن جانِبِ مَوقِدِ البَخورِ، وكانَ مَسؤُولاً عن نارِ المَوقِدِ، وتَوَجَّهَ بِصَوتٍ قَويٍّ إلى المَلاكِ الّذي يَحمِلُ المِنجَلَ الحادَّ قائِلاً: “هاتِ مِنجَلَكَ المَسنونَ، واقطِف عَناقيدَ الكُرُومِ في الأرضِ فقد حانَ قِطافُها”. 19 فأرسَلَ المَلاكُ مِنجَلَهُ على النّاسِ في الأرضِ، وقَطَفَ العَناقِيدَ وألقاها إلى مَعصَرةٍ ضَخمةٍ، وفي هذا دَليلٌ على أنّ غَضَبَ اللهِ الشَّديدَ قد حَلَّ على أهلِ الشَّرِّ. 20 ودِيسَتِ العَناقِيدُ في المَعصَرةِ خارِج المَدينةِ، فجَرى مِنها الدَّمُ إلى ارتِفاعِ عِنانِ الخُيُولِ، وإلى مَسافة مِئَتي مِيلٍ.

*الفصل الرّابع عشر:1 في زمن الأنبياء القدامى سُمّي جبل باسم تصيون (أو صهيون)، ولكن مع مرور الزمن بُنِيَتْ فوقه مدينة القدس وأصبح اسم تصيون يُطلق على المدينة أيضا. وقد ورد في هذه الآية وفي رسالة العبرانيين (12: 22 – 24) اسم تصيون ليدّل على المدينة السماوية الخالدة التي أعدّها الله للصالحين من عباده.

الفصل الرّابع عشر:4 ربّما فهم القرّاء الأوائل لكتاب الرؤيا الرقم 144000 على أنّه يدلّ على عدد محاربي بني يعقوب في زمن النبي موسى وغيره من الأنبياء القدامى. وكان من عادة هؤلاء المحاربين منعُ أنفسهم عن النساء في الوقت الذي يسبق المعركة (انظر التوراة، سفر التثنية، 23: 10، كتاب صموئيل الأول، 21: 5، وكتاب صموئيل الثاني، 11: 11).

الفصل الرّابع عشر:8 اشتهرت الإمبراطورية البابلية القديمة بثرائها ومجونها. وقد كانت مدينة بابل في منطقة ما بين النهرين، مركزا سياسيا وتجاريا ودينيا. واسم “بابل العظيمة” ورد أيضا في كتاب النبي دانيال (4: 30). ويختلف المفسّرون حول دلالة اسم مدينة بابل في هذا المقطع. فبعض المفسرين فهموا هذا الاسم على أنّه يدلّ على الإمبراطورية الرومانية التي تمرّدت على الله، واضطهدت الذين كانوا يعبدونه تعالى، وفهم آخرون أنّه يدلّ على طغيان المسيح الدجّال على كل الأنظمة السياسية والدينية في العالم. بينما يرى آخرون أنّ اسم مدينة بابل يدلّ على المدينة التاريخيّة الحقيقية التي لا بدّ أن تبنى من جديد وتعود إلى الوجود.