الفصل الرّابع
النّبي إبراهيم وأُمّة المؤمنين
ولنَذكُرِ الآن النّبيَّ إبراهيمَ، جَدَّ آباءِ بَني يَعقوبَ، ماذا رَأى عَن قُبولِ اللهِ لِلمؤمنينَ؟ فلو رَضيَ اللهُ عن النّبيِّ إبراهيمَ لِطاعتِهِ شَرعَ التَّوراةِ، لأصبَحَ مِن حَقِّهِ أن يَفتَخِرَ أمامَ النَّاسِ، ولَكن لَيسَ أمامَ اللهِ، فَلقد جاءَ في التّوراةِ: “آمَنَ إبراهيمُ بوَعدِ اللهِ فحَسَبَهُ تَعالى مَرضيًّا”.* يقتبس بولس هنا من التوراة (سفر التكوين 15: 6) أين يكرّر الله الوعود التي أعطاها في البداية للنبي إبراهيم (انظر سفر التكوين 12: 2‏-3، 7). وحين صدّق النبي إبراهيم الوعود التي تضمّنها الميثاق كما جاء في تكوين 15: 6، أقرّ الله هذا الميثاق بواسطة شعيرة الأضحية. ولم يفرض الله الختان إلاّ لاحقًا باعتباره علامة ظاهرة في الجسد تميّز أهل الميثاق (انظر سفر التكوين 17). إنّ لِلعامِلينَ عِندَ النّاسِ أُجرَةً، وهي حَقُّهُم ولَيسَت هَديّةً أو مِنّةً. أمّا مَن لا يَنظُرُ إلى أعمالِهِ بل يَتَوَكَّلُ على اللهِ، فيَحسَبُهُ اللهُ مَرضيًّا، لأنّهُ يَتَقَبَّلُ تَوبةَ الآثمينَ. وهكذا أخبَرَ النَّبيُّ داودُ بِالوَحي عن هَناءِ مَن حَسَبَهُ اللهُ مَرضيًّا بِغَضِّ النَّظَرِ عَن طاعتِهِ لِلشَّرعِ، قبل الله إيمان إبراهيم (عليه السّلام) قبولاً كاملاً بناء على ثقته بوعوده قبل الختان، فلا يمكن الادعاء أن الله لا يقبل الأشخاص دون اتّباعهم للتقاليد اليهودية ومنها الختان. فقالَ: “هَنيئًا لمَن يَغفِرُ اللهُ لهُ ذُنوبَهُ ويَعفو عن خَطاياهُ. هَنيئًا لمَن لا يَحسِبُ اللهُ لهُ خَطاياهُ”.
فهل كُتِبَ الهَناءُ لليَهودِ فقط، أم يَشمَلُ أيضًا الأغرابَ غَيرَ المَختونينَ؟ فقد ذَكَرنا ما وَرَدَ في الكِتابِ، أنّ اللهَ تَقَبَّلَ إبراهيمَ وحَسَبَهُ مَرضيًّا على أساسِ إيمانِهِ بوَعدِهِ تَعالى. 10 فمَتى رَضِيَ اللهُ عنهُ (عليه السّلام) وعن إيمانِهِ؟ أقَبلَ خِتانِهِ أم بَعدَهُ؟ لقد كانَ ذلِكَ قَبلَ الخِتانِ، يشير بولس إلى أن قبول الله لإبراهيم (عليه السّلام) تمّ على أساس إيمانه، وكان ذلك قبل أن يختتن بـ 13 سنة. 11 وكانَ خِتانُهُ عَلامةً وبُرهانًا أنّ اللهَ رَضِيَ عنه قَبلَ أن يَكونَ مَختونًا. فصارَ النَّبيُّ إبراهيمُ أبًا لكُلِّ مؤمنٍ مِن غَيرِ اليَهودِ، الّذينَ يَحسَبُهُم اللهُ مِن المَرضيّينَ بسَبَبِ إيمانِهِم. 12 وهو كذلِكَ أبو اليَهودِ الّذينَ لا يَعتَمِدونَ على خِتانِهِم، بل يَسيرونَ على خُطى إيمانِ أبينا إبراهيمَ قَبلَ خِتانِهِ.
13 ولمّا وَعَدَ اللهُ النَّبيَّ إبراهيمَ ووَعَدَ نَسلَهُ أن يَجعَلَهُم وَرَثةً للعالَمِ، لم يَكُن ذلِكَ بسَبَبِ انتِمائِهِم إلى أهلِ التّوراةِ، لأنّ اللهَ أنزَلَها بَعدَهُ بقُرونٍ، لكنّهُ رَضِيَ عن إبراهيمَ وعن إخلاصِهِ لأنّهُ تَوَكَّلَ على وَعدِهِ تَعالى. 14 فلو ادَّعى أحَدٌ أنّ أهلَ التّوراةِ هُم وَحدَهُم يُدرِكونَ هذا الوَعدَ، لأصبَحَ الإيمانُ بوَعدِ اللهِ والانتِظارُ لتَحقيقِهِ عَبَثًا! 15 لأنّ غايةَ التّوراةِ أن تُوَضِّحَ لأهلِها أنّهُم مِن المُخالِفينَ، واللهُ يُرسِلُ غَضَبَهُ على كُلِّ المُخالِفينَ. وحَيثُ لا يُوجَدُ شَرعٌ أو قانونٌ، لا يُوجَدُ مُذنِبونَ أو مُخالِفونَ.
16 إنّ الوَعدَ إذَن هَديّةٌ وضَمانٌ لجَميعِ آلِ إبراهيمَ الّذينَ يَتَوَكّلونَ على اللهِ، سَواءٌ كانوا يَنتَمونَ إلى أهلِ التّوراةِ أم لا، شَرطَ أن يَكونَ لَدَيهِم إيمانٌ مِثل إيمانِ النّبيِّ إِبراهيمَ. إنَّهُ أبونا جَميعًا، مَهما كانَ الأصلُ الَّذي نَنحَدِرُ مِنهُ، 17 كَما وَرَدَ في التّوراةِ قَولُ اللهِ لهُ (عليه السّلام): “جَعَلتُكَ أَبًا لِأُممٍ كَثيرةٍ”.§ يقتبس بولس من التوراة، سفر التكوين 17: 5. والآنَ نَحن حَقًّا مِن سُلالةِ إبراهيمَ المؤمنِ بوَعدِ اللهِ الَّذي يُحيي المَوتى ويَخلُقُ مِن العَدَمِ.
18 فرَغمَ أنّ ذلِكَ بَدا مُستَحيلاً، فقد آمَنَ إبراهيمُ يَقينًا، بأنَّ اللهَ سيَجعَلُهُ لأُمَمٍ كَثيرةٍ أصلاً أَصيلاً، كَما قالَ تَعالى: “ويَكونُ نَسلُكَ كَالنُّجومِ لا يُعَدُّونَ”.* التوراة، سفر التكوين 15: 5. 19 وما وَهَنَ الإيمانُ عِندَ إبراهيمَ، مَعَ أنّ عَظمَهُ وَهَنَ وشارَفَ عُمرُهُ على المِئةِ سَنةٍ، وضَعُفَ جِسمُهُ عن الإنجابِ، وسارَةُ صارَت عَجوزًا ويَئسَت مِن الإنجابِ. 20 فلم يَضعُف إيمانُ إبراهيمَ بأنّ اللهَ صادِقٌ في وَعدِهِ، بل قَوِيَ إيمانُهُ باللهِ، فخَضَعَ بذلِكَ لجَلالِهِ تَعالى. 21 وكانَ مُتَيَقِّنًا تَمامًا أنّ اللهَ قادِرٌ على الوَفاءِ بوَعدِهِ، 22 فحَسَبَهُ اللهُ مَرضيًّا.
23 وعِندَما ذَكَرَت التّوراةُ أنّ اللهَ رَضِيَ عنهُ، لم يَقصِد اللهُ إبراهيمَ فقط، 24 بل قَصَدَنا نَحن أيضًا، لأنّ اللهَ يَعُدُّنا مِن عِبادِهِ الصّالِحينَ، نَحن الّذينَ نؤمنُ باللهِ الّذي بَعَثَ سَيِّدَنا عيسـى مِن بَينِ الأمواتِ. 25 لأنّهُ جَعَلَهُ يَموتُ بسَبَبِ ذُنوبِنا، ثُمّ بَعَثَهُ حيًّا خالِدًا لنَتَمَكّنَ مِن نَيلِ مَرضاتِهِ.

*الفصل الرّابع:3 يقتبس بولس هنا من التوراة (سفر التكوين 15: 6) أين يكرّر الله الوعود التي أعطاها في البداية للنبي إبراهيم (انظر سفر التكوين 12: 2‏-3، 7). وحين صدّق النبي إبراهيم الوعود التي تضمّنها الميثاق كما جاء في تكوين 15: 6، أقرّ الله هذا الميثاق بواسطة شعيرة الأضحية. ولم يفرض الله الختان إلاّ لاحقًا باعتباره علامة ظاهرة في الجسد تميّز أهل الميثاق (انظر سفر التكوين 17).

الفصل الرّابع:6 قبل الله إيمان إبراهيم (عليه السّلام) قبولاً كاملاً بناء على ثقته بوعوده قبل الختان، فلا يمكن الادعاء أن الله لا يقبل الأشخاص دون اتّباعهم للتقاليد اليهودية ومنها الختان.

الفصل الرّابع:10 يشير بولس إلى أن قبول الله لإبراهيم (عليه السّلام) تمّ على أساس إيمانه، وكان ذلك قبل أن يختتن بـ 13 سنة.

§الفصل الرّابع:17 يقتبس بولس من التوراة، سفر التكوين 17: 5.

*الفصل الرّابع:18 التوراة، سفر التكوين 15: 5.