مدخل إلى رسالة الحَواري بولس إلى فِليمون
عاش فليمون مع عائلته على الأغلب، في مدينة كولوسي الواقعة في منطقة فريجيّة. وكان غنيّا يملك عبيدا كمعظم الأغنياء، ويستضيف لقاءات أتباع السيّد المسيح في منزله الواسع بدافع إيمانه بسيّدنا المسيح (سلامه علينا).
كتب الحواري بولس هذه الرّسالة نيابةً عن نافع (في اليونانيّة Onesimus)، وهو عبد رقيق هرب من بيت سيّده فليمون، ومن المرجَّح أنّ نافعا كان قد سرق بعض الأغراض من فليمون قبل هروبه. وكانت عقوبة العبد الهارب الموت حسب القانون الرّوماني. ولكنّ نافعا أصبح تابعا لسيّدنا المسيح (سلامه علينا) عن طريق بولس، وصديقا ومساعدا ذا قيمةٍ. وكان نافع ينوي العودة إلى فليمون، فكتب بولس هذه الرّسالة ليخبره أنّه سيُعيده إليه ويتوجّب على فليمون أن يرحّب بعودته كأخٍ في الإيمان، ولمّح إلى فليمون أن يعتقه من العبوديّة.
تتقارب كلّ من رسالة الحواري بولس إلى فليمون ورسالته إلى أحباب الله في كولوسي بشكل كبير، فقد تمّت كتابتهما في المكان نفسه، وتمّ توجيههما إلى الجماعة نفسها من المؤمنين وحَمَلهما طيخي، الشّخص نفسه، إلى كولوسي (أنظر رسالة كولوسي 4: 8‏-9). والتحيّة في الرّسالتين تتكرّر تقريبا، وكلتاهما تشير إلى وضع بولس المتعلّق بإقامته الجبرية في منزله، ومن المرجّح أيضا أنّه كتب رسالته إلى أفاسوس تزامنا مع كتابته لهاتين الرّسالتين. فمن الأفضل إذن قراءة المدخل إلى رسالة كولوسي والمدخل إلى رسالة أفاسوس بالتّوازي مع مدخل هذه الرّسالة.
ويبدو أنّ نافعا قد غادر روما صحبة طيخي حاملاً الرسائل الثلاث: رسالة إلى فليمون، ورسالة إلى أفاسوس ورسالة إلى كولوسي.
ومن المرجّح أنّ بولس قد كتب هذه الرّسائل بين سنتي 60 و61 للميلاد، أي في الفترة التي خضع فيها للإقامة الجبريّة في منزله في روما (انظر سيرة الحواريّين 28: 16 - 21). ويعتقد بعض الباحثين أنّها كُتِبَت قبل تلك الفترة عندما كان محبوسا في أفاسوس أو في مكان آخر. وتنصّ هذه الرّسالة على كيفيّة تطبيق المؤمنين الأوائل لتعليمات سيدنا عيسى (سلامه علينا) في الحالات الشّخصيّة. وعند قراءتها مرفوقةً بالتعليمات الموجّهة للسّادة والعبيد في كولوسي (3: 22 - 4: 1)، تظهر بشكل جليّ طريقة تعامل أتباع السيّد المسيح مع مؤسسة العبوديّة. فبولس مثلا لم يتحدّث عن إلغاء العبوديّة لأنّ إلغاءها في ذلك الزّمن غير معقول. وفي المقابل يظهر مبدأ مساواة المؤمنين بوضوح: “كلُّكُم عندَ اللهِ سَوَاءٌ، لا فَرقَ بين يَهُودِ وغُرَبَاءَ، وعَبِيدٍ وأحرار، ورجالِ ونساءِ، فكُلُّكُم واحدٌ بِاعتِصامِكُم بِالسيّد المَسيحِ” (انظر رسالة غلاطية 3: 28).
بسم الله تبارك وتعالى
رسالة الحَواريّ بولس إلى فِلِيمُونَ
1
تحيّة
هذه الرِّسالةُ مِن بولُس السَّجينِ في سَبيلِ سَيّدِنا عيسى المَسيحِ، ومِن الأخِ تيموتاوي، مُوَجَّهةٌ إليكَ يا حَبيبَنا ورَفيقَنا في عَمَلِ اللهِ فِليمونَ، وإلى الأُختِ عافيةَ، وإلى أرْشـيبي رَفيقِنا الّذي يُجاهِدُ مَعَنا في سَبيلِ اللهِ، وإلى جَماعةِ المؤمنينَ الّذينَ يَجتَمِعونَ في دارِكُم.* شاع في القديم التقاءُ أفراد المجموعات الدّينيّة في بيوت الأغنياء الذين دعّموها بهذه الطّريقة وحظي هؤلاء الأغنياء بمكانة محترمة عند هذه المجموعات. السَّلامُ عليكُم والرَّحمةُ مِن اللهِ أبينا الأحَدِ الصَّمَدِ، وسَيّدِنا عيسى المَسيحِ (سلامُهُ علينا). يعتقد بعض المفسّرين أنّ عافية زوجة فليمون وأرشيبي ابنه.
شكر ودعاء
أمّا بَعدُ، كُلَّما ذَكَرتُكَ في الدُّعاءِ، شَكَرتُ اللهَ على الأنباءِ الّتي تَصِلُني عن إيمانِكَ بسَيِّدِنا عيسى، وعلى ما تَكُنُّهُ مِن مَحَبّةٍ لِجَميعِ عِبادِ اللهِ الصّالِحينَ. أيُّها الأخُ الكَريمُ لقد أعطَيتَ بسَخاءٍ للآخَرِينَ بسَبَبِ إيمانِكَ، تترجم كلمة koinonia هنا على أنّها “سخاء” وقد تمّ استخدامها غالبا لوصف الشّراكة في العمل أو الاشتراك في ممتلكات، وكان فليمون يدعم جماعات المؤمنين الذين يلتقون في بيته، ولهذا مدحه بولس لكرمه. فأنا أسألُ اللهَ أنّ سَخاءَك هذا سيَجعَلُكَ قادِرًا على فَهمِ كُلِّ ما نَستَطيعُ فِعلَهُ مِن خَيرٍ في سَبيلِ سَيِّدِنا المَسيحِ. يا أخي، لقد أفرَحتَني وشَجَّعتَني في الإيمانِ، لأنّكَ شَرَحتَ صُدورَ إخوانِكَ مِن عِبادِ اللهِ الصّالِحينَ.§ اعتبر الرّومان والإغريق كرم الضيافة أمرا مُهمّا جدّا، في حين كان اليهود يقدّرونها كثيرا. وشاع عند أغنياء النّاس دعوةُ الأقلَّ منهم غِنًى للعشاء في بيوتهم، وهذا ما قامت به الجماعات الدّينيّة أحيانا. والتزم أتباع السيّد المسيح هذا العُرفَ، فاستضاف فليمون وغيره من المؤمنين لقاءات إخوانهم وأعّدوا لهم العشاء في بيوتهم.
رجاء بولس من أجل الخادم نافع
لذلِكَ سأتَجَرَّأُ وأسألُكَ مَعروفًا، مَعَ أنّي أملِكُ الحَقَّ مِن سَيِّدِنا عيسى أن أُكَلِّفَّكَ ذلِكَ تَكليفًا،* رغم أنّ فليمون كان ثريًّا ومكانته رفيعة في المجتمع، فقد أعلن بولس أنّه أرفع مكانةً منه بل أنّه مشرف عليه، وهذا ما وافقه عليه فليمون، خلافا لما هو متداول بين الأغنياء الذين قاموا برعاية الفلاسفة والحكماء شرطَ أن يكونوا معلّمين لهم. غَيرَ أنّ ما بَينَنا مِن مَحَبّةٍ يَجعَلُني أُناشِدُكَ. أنا بولُسُ الشَّيخُ المُسِنُّ، المُعتَقَلُ الآنَ في سَبيلِ سَيِّدِنا عيسى المَسيحِ، 10 أرجو مِنكَ أن تُسامِحَ عَبدَكَ المُشَرَّدَ نافِعًا، الّذي أصبَحَ بِمَثابةِ ابنٍ لي لأنّهُ على يَديّ اهتَدى إلى الإيمانِ بسَيِّدِنا (سلامُهُ علينا) وأنا هُنا مُقَيِّدٌ في السِّجنِ. اعتبر بولس نافعاً ابنا له اقتداءً بمنوال غيره من معلّمي الدين في عصره، وبذلك يلمّح لفليمون أنّه يوجد تناقضٌ بين كونه تابعا لبولس من جهة، وبين احتفاظه بنافع كعبد من جهة أخرى. ومن البديهي في هذا المجتمع أن لا شخص يستطيع أن يُبقِيَ ابنَ مُشرِفه عبدا عنده. 11 وكانَ فيما مَضى غَيرَ نافِعٍ لكَ، أمّا الآن فهُو نافِعٌ لكِلَيْنا على حَدٍّ سَواء.
12 إنِّي إذ أُرسِلُهُ إليكَ فكَأنّما أُرسِلُ قَلبي وفؤادي، 13 وكَم كُنتُ أرغَبُ في بَقائِهِ مَعي ليَخدِمَني نِيابةً عنكَ وأنا مَسجونٌ في سَبيلِ رِسالةِ السَّيِّدِ المَسيحِ. 14 ولكنّي لم أرغَب أن أتَصَرَّفَ دونَ رِضاكَ حَتّى يَكونَ الإحسانُ مِنكَ طَوعًا، لا كَرهًا.
15 ولرُبَّما ابتَعَدَ نافِعٌ عنكَ قَليلاً، ليَعودَ إليكَ عَوْدًا أبَديًّا، 16 ومِن هُنا فصاعِدًا لن يَعودَ إِليكَ عَبدًا ذَليلاً، بَل أخًا حَبيبًا عَزيزًا بِالإيمانِ. فهُو مِن الآنَ عَزيزٌ عليّ، وأرجو أن يَكونَ عَزيزًا عليكَ تَحديدًا، فهُو مِن جِهةٍ يَنتَمي إلى أهلِ بَيتِكَ، ومِن جِهةٍ أُخرى مؤمنٌ مِثلُكَ بسَيِّدِنا (سلامُهُ علينا).
17 فإذا كُنتَ تَراني رَفيقًا لكَ في الإيمانِ، فرَحِّبْ بِهِ كَما تُرَحِّبُ بي. 18 وإن كُنتَ قد لَقيتَ مِنهُ أذى، أو كانَ مَديونًا لكَ، فإنِّي بذلِكَ كَفيلٌ، 19 وإنِّي أكتُبُ لكَ الآنَ بِخَطِّ يَدي ضَمانًا مُوَقَّعًا مِنّي: أنا بولُس الحَواريّ أعِدُ بتَسديدِ الدَّينِ، ولا داعي لتَذكيرِكَ أنّكَ مَدينٌ لي بِحَياتِك نَفسِها، لأنّكَ فُزتَ بالنَّجاةِ على يَدي. كان بولس على الأرجح يُملي هذه الرّسالة على ناسخ، ولكنّه على ما يبدو كتَبَ بعض الجمل في هذه الفقرة. وهنا يستعمل كلمات ليتحمّل مسؤولية الدَّين على عاتقه، حيث وقّع الورقة بخطّ يده وفيها وعد بسدّ الدّين، متّبعا في ذلك أسلوب الأوراق الرّسمية الموقّعة. 20 لهذا، أخي الحَبيبُ، قَدِّمْ لي هذا المَعروفَ مِن أجلِ سَيِّدِنا المَسيحِ، واشرَحْ صَدري مِن أجلِهِ (سلامُهُ علينا). 21 وإنِّي على يَقينٍ حينَ أكتُبُ إليكَ أنّكَ ستَجتَهِدُ أكثَرَ مِمّا طُلِبَ مِنكَ.§ قصد بولس من خلال العبارات: “اجتهد أكثر ممّا طُلب منك” أن يلمّح لفليمون بضرورة تحرير نافع من العبوديّة.
22 وإضافةً إلى هذا، هَيِّئْ لي مَكانًا أُقيمُ فيهِ، لأنِّي أرجو أن يَستَجيبَ اللهُ لدُعائِكُم فيَرُدَّني إليكُم بَعدَ حينٍ.
تحيّات ختاميّة
23 ويُبَلِّغُكَ زُهري السَّلامَ، وهو مُعتَقَلٌ مَعي في سَبيلِ سَيِّدِنا عيسى المَسيحِ.* كان زُهري صديق بولس ورفيقه في الدعوة، فهو الذي بلّغَ رسالة سيدنا عيسى لأهل كولوسي، ومن الأرجح أنّه كان من تلك المدينة (انظر رسالة كولوسي، 4: 12). وأمضى وقتا بصحبة بولس خلال إقامته الجبرية في منزله، كما ذُكر هنا. ويعني اسمه في اللغة اليونانية “الناذر نفسه لإلهة الحب أفروديت” والمعروفة أيضاً بـ “ڤينوس”، ولكنّنا ترجمنا معنى اسمه إلى “زهري”. ولا علاقة له بالشخص المسمّى “زهرائي” المذكور في رسالة بولس إلى المؤمنين في فيليبي. 24 ويُسَلِّمُ عليكَ أيضًا مَرقُسُ وأرِسْتُرْكي وديماسُ ولوقا، رِفاقي في الدَّعوةِ. 25 فلْيَكُنْ فَضلُ سَيِّدِنا عيسى المَسيحِ مَعَكُم أجمَعينَ.

*1:2 شاع في القديم التقاءُ أفراد المجموعات الدّينيّة في بيوت الأغنياء الذين دعّموها بهذه الطّريقة وحظي هؤلاء الأغنياء بمكانة محترمة عند هذه المجموعات.

1:3 يعتقد بعض المفسّرين أنّ عافية زوجة فليمون وأرشيبي ابنه.

1:6 تترجم كلمة koinonia هنا على أنّها “سخاء” وقد تمّ استخدامها غالبا لوصف الشّراكة في العمل أو الاشتراك في ممتلكات، وكان فليمون يدعم جماعات المؤمنين الذين يلتقون في بيته، ولهذا مدحه بولس لكرمه.

§1:7 اعتبر الرّومان والإغريق كرم الضيافة أمرا مُهمّا جدّا، في حين كان اليهود يقدّرونها كثيرا. وشاع عند أغنياء النّاس دعوةُ الأقلَّ منهم غِنًى للعشاء في بيوتهم، وهذا ما قامت به الجماعات الدّينيّة أحيانا. والتزم أتباع السيّد المسيح هذا العُرفَ، فاستضاف فليمون وغيره من المؤمنين لقاءات إخوانهم وأعّدوا لهم العشاء في بيوتهم.

*1:8 رغم أنّ فليمون كان ثريًّا ومكانته رفيعة في المجتمع، فقد أعلن بولس أنّه أرفع مكانةً منه بل أنّه مشرف عليه، وهذا ما وافقه عليه فليمون، خلافا لما هو متداول بين الأغنياء الذين قاموا برعاية الفلاسفة والحكماء شرطَ أن يكونوا معلّمين لهم.

1:10 اعتبر بولس نافعاً ابنا له اقتداءً بمنوال غيره من معلّمي الدين في عصره، وبذلك يلمّح لفليمون أنّه يوجد تناقضٌ بين كونه تابعا لبولس من جهة، وبين احتفاظه بنافع كعبد من جهة أخرى. ومن البديهي في هذا المجتمع أن لا شخص يستطيع أن يُبقِيَ ابنَ مُشرِفه عبدا عنده.

1:19 كان بولس على الأرجح يُملي هذه الرّسالة على ناسخ، ولكنّه على ما يبدو كتَبَ بعض الجمل في هذه الفقرة. وهنا يستعمل كلمات ليتحمّل مسؤولية الدَّين على عاتقه، حيث وقّع الورقة بخطّ يده وفيها وعد بسدّ الدّين، متّبعا في ذلك أسلوب الأوراق الرّسمية الموقّعة.

§1:21 قصد بولس من خلال العبارات: “اجتهد أكثر ممّا طُلب منك” أن يلمّح لفليمون بضرورة تحرير نافع من العبوديّة.

*1:23 كان زُهري صديق بولس ورفيقه في الدعوة، فهو الذي بلّغَ رسالة سيدنا عيسى لأهل كولوسي، ومن الأرجح أنّه كان من تلك المدينة (انظر رسالة كولوسي، 4: 12). وأمضى وقتا بصحبة بولس خلال إقامته الجبرية في منزله، كما ذُكر هنا. ويعني اسمه في اللغة اليونانية “الناذر نفسه لإلهة الحب أفروديت” والمعروفة أيضاً بـ “ڤينوس”، ولكنّنا ترجمنا معنى اسمه إلى “زهري”. ولا علاقة له بالشخص المسمّى “زهرائي” المذكور في رسالة بولس إلى المؤمنين في فيليبي.