الفصل الثّاني
رسالة سيّدنا المسيح إلى المؤمنين في أفاسوس
وقالَ لي سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا): “اُكتُب إلى مَن سيُرسَلُ إلى جَماعةِ المؤمنينَ في مَدينةِ أفاسوسَ: هذِهِ رِسالةُ مَن يُمسِكُ النُّجومَ السَّبعةَ بِاليُمنى،* كانت مدينة أفاسوس عاصمة مقاطعة آسيا الرومانية، وفيها بُني معبد لعبادة الإمبراطور دوميتيان. دُعي رئيس هذا المعبد بالكاهن الأكبر في آسيا، وهو أيضا الحاكم الإقليمي الأعظم تحت سلطة الوالي الروماني. وكان هو المشرف على مهرجان المباريات الإمبراطورية الذي يقام في أفاسوس، وقد مثّل هذا المهرجان طريقة أساسية لتعظيم الإمبراطور لأنّهم اعتبروه “السيد والإله”. وكان بعض المشاركين يقاتلون في مباريات المصارعة من أجل حياتهم ضد الخصوم القساة. واستخرجت بعض الرموز في الفصول التالية من نشاطات هذه المباريات. فعلى سبيل المثال، اتّبعت الرسائل الموجّهة إلى أتباع السيد المسيح في هذه المدن السبعة (الفصلان الثاني والثالث)، نمط المراسيم الإمبراطورية التي يتمّ إعلانها على الملإ مع بداية هذه المباريات. ويوضّح كتاب الرؤيا من خلال استعمال هذه الرموز أنّ سيدنا عيسى هو من يجب تعظيمه وتشريفه سيّدا على الجميع لا الإمبراطور الروماني. ويَمشي بَينَ مَصابيحِ الذَّهَبِ السَّبعةِ: إنّي بِأعمالِكُم وجِهادِكُم وصُمودِكُم خَبيرٌ، وأعرِفُ أنّكُم لا تُطيقونَ كُلَّ شِرِّير، وأنّكُم امتحَنتُم هؤلاءِ الّذينَ يَزعُمونَ أنّي أرسَلتُهُم حَوارِيِّينَ إليكُم، ولكنِّي مِنهُم بَراءٌ، ولقدِ اكتَشَفتُم أنّهُم دَجّالونَ. إنّكُم صَبورونَ تَتَحَمَّلونَ كَثيرًا مِن العَناءِ في سَبيلي، ولا تَضجَرونَ مِنِ اتِّباعي.
“غَيرَ أنّي أُعاتِبُكُم في أمرٍ، لأنّكُم في البِدايةِ أحبَبتُموني وأحبَبتُم بَعضَكم بَعضًا، لكنّكُم الآنَ لا تُحِبّونَ بمِقدارِ المَحَبّة الأولى. فاذكروا ما قَبلَ سُقوطِكُم، وتوبوا واعمَلوا الصّالِحات الّتي كُنتُم تُواظِبونَ عليها آنذاكَ، وإلاّ قَدِمتُ إليكُم وأزحتُ مِصباحَكُم مِن بَينِ جَماعات المؤمنينَ. إنّما يَسُرُّني فيكُم أنّكُم تَكرَهونَ ما أكرَهُ مِن أعمالِ طائِفةِ النِّقُولاوِيّينَ. كان النِقولاويون فئة في جماعة المؤمنين ورغم ذلك التزموا بتعاليمهم الخاطئة، إذ أرادوا أن يسايروا الوثنيين حولهم، فادَّعَوا أنّهم متحرّرون من كلّ قيد أخلاقي، ويمكنهم المشاركة في عبادة الأوثان وارتكاب الفواحش. يا مَن تُصيخونَ السَّمعَ، اسمَعوا وافهَموا وَحيِ رُوحِ اللهِ لِجَماعاتِ المؤمنينَ! اصمُدوا، فإنّ الفائِزينَ مِنكُم سيأكُلونَ مِن شَجَرةِ الخُلدِ وَسَط جَنّاتِ اللهِ. يتمّ الإعلان مع نهاية مهرجان المباريات الإمبراطورية عن جوائز الفائزين. ويَستعمل السيد المسيح الطريقة نفسها، إذ يعلن هنا عن مكافأة تمنح لهؤلاء الذين يَثبتون على إيمانهم حتّى النهاية. وتختلف المكافآت التي يمنحها (سلامُهُ علينا) من جماعة إلى أخرى في الفقرات الستِّ اللاحقة.
رسالة سيّدنا المسيح إلى المؤمنين في إزمير
“واكتُب إلى مَن سيُرسَلُ إلى جَماعةِ المؤمِنينَ في مَدينةِ إزميرَ: هذِهِ رِسالةُ الأوّلِ والآخِرِ،‏ الّذي ماتَ، ثُمّ عادَ إلى الحَياةِ: إنّي لعَليمٌ أنّكُم تُقاسونَ الضِّيقَ والفَقرَ، مَعَ أنّكُم أغنياءُ عِند رَبِّكُم. وإنّي أُدرِكُ الافتِراءَ المُوَجَّهَ إليكُم مِن اليَهودِ الّذينَ يَتَباهَونَ بِأنّهُم شَعبُ اللهِ المُختارُ وأحِبّاؤهُ، وما هُم بِأحبّائِهِ، بل هُم مِن جَماعةِ الشَّيطانِ. 10 لا تَخافوا مِن الشَّدائدِ الّتي تَنتَظِرُكُم، فإنّ إبليسَ سيُحَرِّضُ بَعضَ النّاسِ حَتّى يُلقُوا بَعضَكم في السِّجنِ ليَمتَحِنَ وَفاءَكُم للهِ، عِندئذٍ ستُقاسونَ الاضطِهادَ عَشَرةَ أيّامٍ. فكُونوا مُخلِصينَ حَتّى المَوتِ، وأنا أمنَحُكُم إكليلَ الخُلودِ. 11 يا مَن تُصيخونَ السَّمعَ، اِسمَعوا وافهَموا وَحيَ رُوحِ اللهِ لِجَماعاتِ المؤمنينَ! اصمُدوا، فإنّ الفائزينَ مِنكُم لا يُؤذيهِمُ الهَلاكُ بَعدَ المَوتِ.§ وردت عبارة “الموت الثاني” في النص الأصلي للوحي في اللغة اليونانية، وفَهِم الناسُ هذا التعبير على النحو التالي: إنّ الموت الأول هو هلاك الجسد، بينما الموت الثاني المشار إليه في كتابات اليهود في تلك الفترة يعني الهلاك الكلّي المنتظر، ويحتوي كتاب الرؤيا الفكرة ذاتها.
رسالة سيّدنا المسيح إلى المؤمنين في برغامس
12 “اكتُب إلى مَن سيُرسَلُ إلى جَماعةِ المؤمنينَ في مَدينةِ بَرغامُسَ: هذِهِ رِسالةُ صاحِبِ السَّيفِ القاطِعِ ذي الحَدّينِ: 13 أنا أعلَمُ المَكانَ الّذي تَسكُنونَ فيهِ، حَيثُ عَرشُ الشَّيطانِ. ولكِنّكُم تَعتَصِمونَ بِحَبلي، ولا تُنكِرونَ إيمانَكُم بي. وحَتّى عِندَما استَشهَدَ أنتِيباسُ الشّاهِدُ الأمينُ، في مَدينَتِكُمُ الّتي يَسكُنُ فيها الشَّيطانُ اللَّعينُ، لم تُنكِروا إيمانَكُم بي بَل ثَبَتُّم عليهِ راسِخينَ.* وُجد في مدينة برغامس معبد لعبادة القيصر، شأن الإلهين أسكليبيوس وزيوس. وكان زيوس يدعى “زيوس المنقذ” واعتبر أتباع السيد المسيح هذا اللقب كفرا. وكان أَنتيباس من أوائل الشهداء الذين آمنوا بسيدنا المسيح في مقاطعة آسيا.
14 “ولكِنّي أُعاتِبُكُم قَليلاً، فبَعضُكُم يُعَلِّمُ النّاسَ تَعاليمَ بَلْعامَ، الّذي عَلَّمَ قَديمًا المَلِكَ بالاقَ تَضليلَ بَني يَعقوبَ، فأكَلوا مِن الطَّعامِ المُقَدَّمِ لِلأوثانِ وارتَكَبوا الفِسقَ. ادّعى بلعام أنّه نبيّ وقام باستمالة بعض الناس من بني يعقوب لعبادة إلهٍ غير حقيقي (انظر التوراة، سفر العدد، 25: 1‏-3، 31: 16). 15 وهكذا تُوجَدُ بَينَكُم فِئةٌ تَتَمَسَّكُ بتَعاليمِ بَلْعامَ وهي على مَذهَبِ النِّقولاوِيِّينَ. 16 فارجَعوا إليّ وتُوبوا، وإلاّ جِئتُكُم سَريعًا لأُحارِبَ المُذنِبينَ بِالسَّيفِ الّذي يَخرُجُ مِن فَمي. 17 يا مَن تُصِيخونَ السَّمعَ، اِسمَعوا وافهَموا وَحي رُوحِ اللهِ لِجَماعاتِ المؤمنينَ! اصمُدُوا، فإنّ الفائِزينَ مِنكُم أُطعِمُهُم مِن طَعامِ الجَنّةِ، مِن المَنِّ الخَفيِّ في الغَيبِ، وأُعطِيهِم حَصاةً بَيضاءَ عليها اسمٌ جَديدٌ، لا يَفهَمُهُ إلاّ مَن يَحصُلُ عليها. يشير “المنّ الخفيّ في الغيب” إلى الطعام الذي أرسله الله بمعجزة إلى بني يعقوب أثناء تِيههم في صحراء سيناء رفقة النبي موسى (عليه السّلام). وقد أمرهم الله أن يحفظوا عيّنة من المنّ في وعاء ذهبي في صندوق الميثاق تذكارا على أنّ الله رزقهم بمعجزة. وقد اختفى صندوق الميثاق وكلُّ محتوياته عندما دمّر الجيش البابلي القدس سنة 586 قبل الميلاد. واعتقد العديد من اليهود أنّ صندوق الميثاق أخفاه النبي إرميا أو أحد الملائكة، وأنّ النبي إرميا سيعود بالصندوق عند ظهور مملكة الله الموعودة وسيقدّم المنّ في وليمة عظيمة. وذكر السيد المسيح أنّه هو المنّ الحقيقي الذي جاء من السماء ليمنح الخلد للبشر (انظر يوحنّا، 6: 32 – 33).
توجد عديد الآراء حول معنى الحصاة البيضاء. يقول أحدها، أنّها تشير إلى العادة المتداوَلة في المحكمة الرومانية التي يُصدر فيها القضاء قراره بإعطاء الحصاة السوداء وهذا يعني أن المتهّم مذنب، وإذا كان المتّهم بريئا يعطى الحصاة البيضاء. وهذا يعني بالنسبة إلى القرّاء أنّ الله سينصفهم في النهاية حتّى ولو أدانتهم المحكمة الرومانيّة بسبب إيمانهم بالسيد المسيح. ويقول رأي آخر أن الحصاة البيضاء تشير إلى الحصاة التي حصل عليها الرياضيون الإغريق في نهاية السباق، وسيتم استبدالها في النهاية بجوائزهم. ويقول الرأي الأكثر انتشارا أن الحصاة البيضاء تشير إلى الحصاة التي كانت تحمل اسم صاحبها، والتي كانت تستعمل كبطاقة لبعض المناسبات، كالولائم في المعابد الوثنية. وإذا كان هذا هو المقصود، فستكون الحصاة البيضاء بمثابة بطاقة تسمح لحاملها بالدخول إلى وليمة سيدنا المسيح الكبيرة في مملكة الله.
رسالة سيّدنا المسيح إلى المؤمنين في ثياتيرا
18 “اكتُبْ إلى مَن سيُرسَلُ إلى جَماعةِ المؤمنينَ في مَدينةِ ثياتِيرا: إنّ هذِهِ رِسالةُ السَّيّدِ المَسيحِ الابنِ الرُّوحيِّ للهِ،§ عبارة “الابن الروحي لله” الواردة هنا هي ترجمة للعبارة اليونانية التي عُرّبت بصيغة “ابن الله”. وهي موجودة في كتب الأنبياء الأوّلين وكانت لقبا لملك بني يعقوب الذي اختاره الله. وهذا لا يشير إلى تناسل بشري، ولكنّه يشير إلى العلاقة الوثيقة التي تربط سيدنا عيسى المسيح بالله. وإنّ مقامه أمام ربه كمقام البكر في العائلة. ويرى البعض في هذا تلميحا إلى أنّ السيد المسيح هو كلمة الله الأزلية وقد تمّ إرسالها إلى الأرض لتصبح بشرا يولد من مريم العذراء. الّذي تُشبِهُ عَيناهُ لَهيبَ النّارِ، ورِجلاهُ مِثلَ النُّحاسِ النَّقيِّ. 19 إنّي عَليمٌ بِصالِحِ أعمالِكُم وبِمَحَبّتِكُم لبَعضِكُم بَعض، وأُقَدِّرُ إيمانَكُم وتَضحِيتَكُم وصَبرَكُم، وإنّي أرى أنّ أعمالَكُمُ الصّالِحةَ تَتَزايَدُ يَومًا بَعدَ يَومٍ.
20 غَيرَ أنّي أعتبُ عليكُم قَليلاً، لأنّكُم لم تَطرُدوا مِن جَماعتِكُمُ المَرأةَ الّتي تَزعُمُ أنّها نَبيّةٌ، وهي تُضَلِّلُ عِبادي الصّالِحينَ أسوأ تَضليلٍ، كَما فَعَلَتْ المَلِكةُ الشِّرِّيرةُ إيزابالُ بِبَني يَعقوبَ قَديمًا. إنّ هذِهِ المَرأةَ تَدفَعُ المؤمنينَ إلى الضَّلالِ المُبينِ، وتُعَلِّمُهُمُ الفِسقَ، وتَدفَعُهُم إلى أكلِ الطَّعامِ الّذي أُهِلَّ للأصنامِ،* يُمارس على التجار وأصحاب الحِرَف في تلك الفترة الزمنية في المدن الوثنية ضغطٌ للاشتراك في النقابات. وإذا لم يشتركوا فستكون تجارتهم وأعمالهم عرضة للخسارة. وكانت لقاءات النقابات تكرس ولائم للآلهة التي تحميهم، إضافة إلى الشعائر الدينية التي تقام من أجل عبادة الإمبراطور. وقد شعر الكثير من أتباع سيدنا عيسى في ثياتيرا بضرورة الاشتراك في إحدى نقابات التجّار. ولو أنهم قاموا بذلك خلافا لمقتضيات إيمانهم فإن ذلك يفضي بهم إلى الضلال المبين. وفي هذه الحال سينساقون إلى تعاليم امرأة تدّعي النبوّة وقد جمعت حولها عددا من الأتباع، مدّعية أنها تعرض عليهم “أسرارا عميقة”، وأخبرت الذين آمنوا بها أنه بإمكانهم المشاركة في احتفالات نقابات التجارة المرتبطة بالوثنية، وقد أطلق عليها اسم “إِيزابال”، زوجة الملك آخاب المذكور في كتب الملوك الأول والثاني، وهو الذي قتل أنبياء الله وحرّض شعب بني يعقوب على عبادة الإله المزيّف “بعل”. 21 ولقد أمهَلتُها حَتّى تَرعَوِي عَن فِسقِها وتَتُوبَ، لكِنّها تَرفُضُ أن تَستَجيبَ. 22 لِذلِكَ سأطرَحُها في فِراشِ المَرضِ، وأُلقي الضِّيقَ الشّديدَ على كُلِّ الّذينَ يَفسِقونَ مَعَها إن لم يَرتَدُّوا عن أعمالِها ويَتُوبوا، 23 وأُهلِكُ أولِياءَها بضَربةٍ قاتِلةٍ. فستَعلَمُ عِندئذٍ كُلُّ جَماعاتِ المؤمنينَ أنّي أنا الّذي أمتَحِنُ الأفكارَ والقُلوبَ، وأُجازي كُلَّ واحِدٍ مِنكُم بِأجرٍ على قَدرِ أعمالِهِ.
24 أمّا بَقيّةُ المؤمنينَ في ثياتيرا، يا مَن رَفَضتُم تَعاليمَ تِلكَ المَرأةِ، يا مَنِ ابتَعَدتُم عَمّا يُسَمُّونَهُ أسرارَ الشَّيطانِ العَميقةَ، فأنا أعِدُكُم أنّي لن أُلقي عَليكُم حِملاً آخَرَ يُرهِقُكم بَعدَ الآنَ. 25 فتَمَسَّكوا بإيمانِكُم حَتّى أصِل إليكُم. 26 اصمُدُوا، فإنّ الفائِزينَ مِنكُم الّذينَ يَستَمِرُّونَ في طاعتي حَتّى النِّهايةِ، أمنَحُهُم سُلطانًا على كُلِّ الأُممِ، 27 مِثلَ السُّلطانِ الّذي استَلَمتُهُ مِن اللهِ أبي الصَّمَدِ. يستعمل السيد المسيح هنا هذا المصطلح للإشارة إلى الصلة القريبة والمميّزة التي يحظى بها في علاقته مع الله باعتباره الملك المختار على أمّة الله. وقد استعملنا مصطلح “الأب” في هذا الكتاب مقترنا باسم الرحمن أو الرحيم للدلالة على صلة المؤمنين بالله، ولكن في هذا الموضع أوردنا مصطلح “أبي” مقترنا بـ “الصمد” للإشارة إلى الصلة بين السيد المسيح والله. هكذا سأُهدِيهِم سُلطاني المَذكورَ في الزَّبورِ: “يَحكُمُ الأُمم بِعَصا مِن حَديدٍ، ويُهَشِّمُهُم كَآنيةٍ مِن فَخّارٍ”. هذا المقطع أعيدت صياغته من الزبور (مزمور، 2: 9)، يخصّ أتباع السيد المسيح الأوفياء، رغم أنّ الشخص المشار إليه في المقطع الأصلي هو السيد المسيح نفسه، شأن الاقتباس الوارد في كتاب الرؤيا (19: 15). 28 وأُعطِيهِم نَجمَ الصَّباحِ دَليلاً على فَوزِهِم العَظيمِ.§ إنّ الإشارة إلى “نجم الصباح” قد يعني كوكب الزهراء ويمثّل عند الرومان الإلهة فينوس، إلهة الانتصار في الحروب. واستعملت الجيوش الرومانية رمز فينوس وأقام لها الجنرالات المنتصرون المعابد. وساد اعتقاد لدى معظم الناس في تلك الفترة أنّ الحياة تسيّرها النجوم. فعندما يُمنح أتباع السيد المسيح نجم الصباح، فهذا يعني أنهم سيشاركون السيد المسيح الهيمنة على كل شيء. 29 يا مَن تُصيخونَ السَّمعَ، اِسمَعوا وافهَمُوا وَحي رُوحِ اللهِ لِجَماعاتِ المؤمنينَ!

*الفصل الثّاني:1 كانت مدينة أفاسوس عاصمة مقاطعة آسيا الرومانية، وفيها بُني معبد لعبادة الإمبراطور دوميتيان. دُعي رئيس هذا المعبد بالكاهن الأكبر في آسيا، وهو أيضا الحاكم الإقليمي الأعظم تحت سلطة الوالي الروماني. وكان هو المشرف على مهرجان المباريات الإمبراطورية الذي يقام في أفاسوس، وقد مثّل هذا المهرجان طريقة أساسية لتعظيم الإمبراطور لأنّهم اعتبروه “السيد والإله”. وكان بعض المشاركين يقاتلون في مباريات المصارعة من أجل حياتهم ضد الخصوم القساة. واستخرجت بعض الرموز في الفصول التالية من نشاطات هذه المباريات. فعلى سبيل المثال، اتّبعت الرسائل الموجّهة إلى أتباع السيد المسيح في هذه المدن السبعة (الفصلان الثاني والثالث)، نمط المراسيم الإمبراطورية التي يتمّ إعلانها على الملإ مع بداية هذه المباريات. ويوضّح كتاب الرؤيا من خلال استعمال هذه الرموز أنّ سيدنا عيسى هو من يجب تعظيمه وتشريفه سيّدا على الجميع لا الإمبراطور الروماني.

الفصل الثّاني:6 كان النِقولاويون فئة في جماعة المؤمنين ورغم ذلك التزموا بتعاليمهم الخاطئة، إذ أرادوا أن يسايروا الوثنيين حولهم، فادَّعَوا أنّهم متحرّرون من كلّ قيد أخلاقي، ويمكنهم المشاركة في عبادة الأوثان وارتكاب الفواحش.

الفصل الثّاني:7 يتمّ الإعلان مع نهاية مهرجان المباريات الإمبراطورية عن جوائز الفائزين. ويَستعمل السيد المسيح الطريقة نفسها، إذ يعلن هنا عن مكافأة تمنح لهؤلاء الذين يَثبتون على إيمانهم حتّى النهاية. وتختلف المكافآت التي يمنحها (سلامُهُ علينا) من جماعة إلى أخرى في الفقرات الستِّ اللاحقة.

§الفصل الثّاني:11 وردت عبارة “الموت الثاني” في النص الأصلي للوحي في اللغة اليونانية، وفَهِم الناسُ هذا التعبير على النحو التالي: إنّ الموت الأول هو هلاك الجسد، بينما الموت الثاني المشار إليه في كتابات اليهود في تلك الفترة يعني الهلاك الكلّي المنتظر، ويحتوي كتاب الرؤيا الفكرة ذاتها.

*الفصل الثّاني:13 وُجد في مدينة برغامس معبد لعبادة القيصر، شأن الإلهين أسكليبيوس وزيوس. وكان زيوس يدعى “زيوس المنقذ” واعتبر أتباع السيد المسيح هذا اللقب كفرا. وكان أَنتيباس من أوائل الشهداء الذين آمنوا بسيدنا المسيح في مقاطعة آسيا.

الفصل الثّاني:14 ادّعى بلعام أنّه نبيّ وقام باستمالة بعض الناس من بني يعقوب لعبادة إلهٍ غير حقيقي (انظر التوراة، سفر العدد، 25: 1‏-3، 31: 16).

الفصل الثّاني:17 يشير “المنّ الخفيّ في الغيب” إلى الطعام الذي أرسله الله بمعجزة إلى بني يعقوب أثناء تِيههم في صحراء سيناء رفقة النبي موسى (عليه السّلام). وقد أمرهم الله أن يحفظوا عيّنة من المنّ في وعاء ذهبي في صندوق الميثاق تذكارا على أنّ الله رزقهم بمعجزة. وقد اختفى صندوق الميثاق وكلُّ محتوياته عندما دمّر الجيش البابلي القدس سنة 586 قبل الميلاد. واعتقد العديد من اليهود أنّ صندوق الميثاق أخفاه النبي إرميا أو أحد الملائكة، وأنّ النبي إرميا سيعود بالصندوق عند ظهور مملكة الله الموعودة وسيقدّم المنّ في وليمة عظيمة. وذكر السيد المسيح أنّه هو المنّ الحقيقي الذي جاء من السماء ليمنح الخلد للبشر (انظر يوحنّا، 6: 32 – 33). توجد عديد الآراء حول معنى الحصاة البيضاء. يقول أحدها، أنّها تشير إلى العادة المتداوَلة في المحكمة الرومانية التي يُصدر فيها القضاء قراره بإعطاء الحصاة السوداء وهذا يعني أن المتهّم مذنب، وإذا كان المتّهم بريئا يعطى الحصاة البيضاء. وهذا يعني بالنسبة إلى القرّاء أنّ الله سينصفهم في النهاية حتّى ولو أدانتهم المحكمة الرومانيّة بسبب إيمانهم بالسيد المسيح. ويقول رأي آخر أن الحصاة البيضاء تشير إلى الحصاة التي حصل عليها الرياضيون الإغريق في نهاية السباق، وسيتم استبدالها في النهاية بجوائزهم. ويقول الرأي الأكثر انتشارا أن الحصاة البيضاء تشير إلى الحصاة التي كانت تحمل اسم صاحبها، والتي كانت تستعمل كبطاقة لبعض المناسبات، كالولائم في المعابد الوثنية. وإذا كان هذا هو المقصود، فستكون الحصاة البيضاء بمثابة بطاقة تسمح لحاملها بالدخول إلى وليمة سيدنا المسيح الكبيرة في مملكة الله.

§الفصل الثّاني:18 عبارة “الابن الروحي لله” الواردة هنا هي ترجمة للعبارة اليونانية التي عُرّبت بصيغة “ابن الله”. وهي موجودة في كتب الأنبياء الأوّلين وكانت لقبا لملك بني يعقوب الذي اختاره الله. وهذا لا يشير إلى تناسل بشري، ولكنّه يشير إلى العلاقة الوثيقة التي تربط سيدنا عيسى المسيح بالله. وإنّ مقامه أمام ربه كمقام البكر في العائلة. ويرى البعض في هذا تلميحا إلى أنّ السيد المسيح هو كلمة الله الأزلية وقد تمّ إرسالها إلى الأرض لتصبح بشرا يولد من مريم العذراء.

*الفصل الثّاني:20 يُمارس على التجار وأصحاب الحِرَف في تلك الفترة الزمنية في المدن الوثنية ضغطٌ للاشتراك في النقابات. وإذا لم يشتركوا فستكون تجارتهم وأعمالهم عرضة للخسارة. وكانت لقاءات النقابات تكرس ولائم للآلهة التي تحميهم، إضافة إلى الشعائر الدينية التي تقام من أجل عبادة الإمبراطور. وقد شعر الكثير من أتباع سيدنا عيسى في ثياتيرا بضرورة الاشتراك في إحدى نقابات التجّار. ولو أنهم قاموا بذلك خلافا لمقتضيات إيمانهم فإن ذلك يفضي بهم إلى الضلال المبين. وفي هذه الحال سينساقون إلى تعاليم امرأة تدّعي النبوّة وقد جمعت حولها عددا من الأتباع، مدّعية أنها تعرض عليهم “أسرارا عميقة”، وأخبرت الذين آمنوا بها أنه بإمكانهم المشاركة في احتفالات نقابات التجارة المرتبطة بالوثنية، وقد أطلق عليها اسم “إِيزابال”، زوجة الملك آخاب المذكور في كتب الملوك الأول والثاني، وهو الذي قتل أنبياء الله وحرّض شعب بني يعقوب على عبادة الإله المزيّف “بعل”.

الفصل الثّاني:27 يستعمل السيد المسيح هنا هذا المصطلح للإشارة إلى الصلة القريبة والمميّزة التي يحظى بها في علاقته مع الله باعتباره الملك المختار على أمّة الله. وقد استعملنا مصطلح “الأب” في هذا الكتاب مقترنا باسم الرحمن أو الرحيم للدلالة على صلة المؤمنين بالله، ولكن في هذا الموضع أوردنا مصطلح “أبي” مقترنا بـ “الصمد” للإشارة إلى الصلة بين السيد المسيح والله.

الفصل الثّاني:27 هذا المقطع أعيدت صياغته من الزبور (مزمور، 2: 9)، يخصّ أتباع السيد المسيح الأوفياء، رغم أنّ الشخص المشار إليه في المقطع الأصلي هو السيد المسيح نفسه، شأن الاقتباس الوارد في كتاب الرؤيا (19: 15).

§الفصل الثّاني:28 إنّ الإشارة إلى “نجم الصباح” قد يعني كوكب الزهراء ويمثّل عند الرومان الإلهة فينوس، إلهة الانتصار في الحروب. واستعملت الجيوش الرومانية رمز فينوس وأقام لها الجنرالات المنتصرون المعابد. وساد اعتقاد لدى معظم الناس في تلك الفترة أنّ الحياة تسيّرها النجوم. فعندما يُمنح أتباع السيد المسيح نجم الصباح، فهذا يعني أنهم سيشاركون السيد المسيح الهيمنة على كل شيء.